عندما يصبح الإعلام واجبا وطنيا

ظاهرة شراء  الأصوات ليست في الانتخابات وحدها، هناك أدها من ذلك وأمر، وأسوأ من ذلك وأمكر ! إنها ظاهرة شرا الإعلام والأقلام، وتسخير الصحافة الورقية والإلكترونية لأجندات معينة، وإقصا الأصوات التي لا تروق للمنابر الإعلامية والصحافة الالكترونية والورقية القابضة الثمن أو المضغوط عليها، وعدم إشراكها في المحيط الصحافي لانها تشوش عَل أجندة الطبقة التي تدفع المال ولها نفوذ أحيانا، ليصل ما تراه هذه الأخيرة مناسبا للقارئ، وتقص بمقص أبدي أو اختياري ما تراه شاردا عن خط تحريرها وحدود مجالها الافتراضي، ولو كان المحتوا يستحق النشر وَذَا موضوعية ومهنية. تلك الأزمة والظاهرة، يعاني منها المجتمع العربي قاطبة لان القرار الإعلامي لا يزال تحت سلطة الدولة وبعض الجهات واللوبيات، أو بعض المسؤولين الذين هم في أمس الحاجة الي تجديد وتحديث، لذلك لن نرا صحافة ولا إعلاما مشرفين، ولن نتحرر من تلقي التعليمات والتوجيهات وضغط أصحاب الأموال والنفوذ والمضاربين والمفسدين الا اذا استقل الاعلام في البلدان العربية والمغرب لا يستثني من ذلك ! هناك أناس ينزعجون من النقد البنّا ومن نشر الحقيقة وإعلام الرأي العام بها، لأن ذلك يهدد مصالحهم ويزعزع وجودهم، ويعتبر تحد سافرا بالنسبة لهم، وشئ من المحرمات في اديولوجياتهم : أن تعطا الصحافة والإعلام سلطة كفيلة بتغيير سير المجتمع والدولة اذا كان هناك تجاوزات أو تناقضات فيما يتعلق بقرار من القرارات، او خرق للقانون والدستور، أو تقاعس من مسؤول أو مسؤولين وعدم القيام بالمسؤولية المنوطة به أو بهم، أو انتشار تجارة الريع او المقاولة المخلة بالقانون لأن هذا بكل بساطة واجب الاعلام…. أو من المفروض أن يكون كذلك لكن كيف يكون الحال اذا كان القائمون عَل الاعلام لا سلطة لهم، او صلاحياتهم محدودة ( مع العلم أن الوزير أكبر سلطة ومسؤول عن الاعلام بالمغرب) ، ويتلقون التعليمات والتوجيهات حتي لا تنزلق أقلامهم ورآهم وتصوراتهم عن الإطار والخط الذي رسم لهم ؟ الصحافة الالكترونية أصبحت حقلا خصبا للبيع والشرا، ولتمرير خطاب تمويهي ورديئ وإقصائي، وعرف ما يسما بالصحافة الصفرا أوجا وحيوية، أو صحفيو الأظرفة كما يسميهم البعض ! نسبة الي ” أعطني ظرفا، واكتب بقلمي كما يحلو لك …” لأن أصحاب “الشكاير” أو المال والثروة، وعملا المصالح الشخصية يدفعون بسخا لمن يبيع صوته وقلمه، ويزيد الساحة سوادا لأن أفضل طريقة للقضا عَل الصفا هو إكثار بقع سودا، بذلك لن يتمكن اغلب القراأ والمتصفحين للمواقع الالكترونية من تقييم المعلومة والاستفادة منها، ( إلا من هم مدركون لهذه الألاعيب الصبيانية، وواعون بواجب الاعلام، وهي نخبة موجودة )، مما ينتج عنه فتور تجاه الاعلام وهذا واقع اعلامنا ( إلا القليل)، الردائة والجمود والتطابق والنسخ بين موقع وآخر، والأخبار المغلوطة، والعناوين التي لا علاقة لها بالمضمون، ومصداقية مفقودة حيث أن منها اي الجرائد، ما لا تكاد تصدق منها الا تاريخ الإصدار والعدد…لأنه اذا عمت هانت ! بزعمهم طبعا، لأن الردائة اذا طفت عَل السطح بكثرة، فان الجيد والصحيح يصبح غريبا ومهددا وغير مرغوب فيه ! الإذاعة الأولا والثانية لا ترقيان الي مستوي العصر والبرامج يغلب عليها الاملآت والتعاليم وهذا يجعلهما بعيدتان عن ركب الاعلام المسؤول والهادف والمفضل عند المشاهد المغربي الذي يشاهد قنوات أجنبية غالبا لان الجودة أفضل. يبقا الحال هو الحال والمغرب يتطلع الي تحقيق بلد نموذج ومتميز في المنطقة والقارة السمرا والعالم العربي ، وزير الاتصال لا يستطيع فرض سلطته علي القناة الثانية التي تبث برامجا تخدش حيا وثقافة المغاربة، وتفرق تجمعهم العائلي في الدار، وتتفاخر بالعري والاباحية لأن التقدم والحداثة هو كذلك بالنسبة للقائمين عَل الدوزيم !!! والقناة الأولي لا تزال بدائية في طرحها للبرامج ولا تكاد ترقا الي مستوي القنوات الاخرا، كالجزيرة والعربية وMBC … مما يلزم ضرورة تحسين النوعية لإعلامنا. وهذا يدفعنا الي طرح السؤال التالي : هل عجزنا كمغاربة في تقديم إذاعات وصحافة تؤثر في المغاربة وفي العالم العربي والعالم ؟ وأن نكون قبلة الصحافة والرأي الحر والإعلام الهادف ؟ أم أننا اخترنا أن نكون هكذا ! أطرح السؤال لأن الردائة لم تكن شعار المغاربة يوما… هذا يفتح باب النقاش عن حق الولوج الي المعلومة كما ينص عَل ذلك دستور 2011 فصل 27، وضرورة تفعيل هذا الحق الذي يعتبرا مكتسبا من مكتسبات الدستور الجديد، وحق أساسي من الحقوق الاساسية لترسيخ دولة الحق والقانون، وله تأثير مجتمعي واقتصادي وسياسي، في بنا تنمية المغرب وثقافته، وانفتاحه عَل العصر والتحديات، من خلال معرفة الواقع والتحديات التي تواجهنا وكيفية تطوير استراتيجية لتخطي الصعاب وبنا مغرب أفضل ونموذجي. من المعلوم أن سلطة الاعلام من السلط المسؤولة والكفيلة بخلق التوازن، دفاعا عَن الحقوق وتوضيحا للواجبات، والنبش في التجاوزات وتعرية التناقضات وتوجيه الرأي العام توجيها صحيحا وهادفا، والتنويه بما هو إيجابي وسديد، مرتكزا في توجهه الإعلامي علي تحري الحقيقة في التناول مع المعلومة والموضوعية والحياد في طرح المواضيع والانفتاح عَل الرأي والرأي الآخر وفضح التجاوزات والخروقات وعدم الرضوخ للضغط الذي يريد حصر الاعلام في خانة ضيقة وجعله خاضعا لرؤية واحدة ووحيدة للأمور، لأن ذلك تقصير وتقزيم لرسالة الاعلام الذي يعتبر سلطة رابعة في المجتمعات المتقدمة والسائرة نحو النمو (وذلك هدفنا كمغاربة) ، وركيزة من ركائز التنمية والتقدم ورسالة نبيلة وفاعلة في خلق التوازن بالمجتمع وتوجيهه نحو الصحيح والسليم والمفيد.
الي ان نحقق ذلك، يبقي الاعلام واجبا وطنيا وضرورة لابد من ممارستها والعمل الجاد من اجل تحقيقها وتفعيلها في مغرب اليوم الذي اختار التجديد والاستقرار والانفتاح علي المعلومة والإعلام الهادف، والحداثة والعصرنة حفاظا علي الهوية المغربية، لكن يبقي هناك فراغ بين، وتجديد ملح للإعلام والصحافة في مغربنا لتحقيق التميز والنموذج والتغيير الذي نتطلع إليه ويجعلنا فعلا بلدا نموذجيا.

فهد بن محمد ربوب