استقلال النيابة العامة : أية مؤيدات دستورية وواقعية؟موضوع ندوة الراشدية
د عبد اللطيف المتدين: أستاذ باحث بالكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية، ورئيس فريق البحث حول الحكامة الأمنية وحقوق الإنسان بحوض البحر الأبيض المتوسط.
نظم المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالرشيدية بشراكة مع شعبة القانون بالكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية ومع نقابة هيئة المحامين بمكناس ومع المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب يوماً دراسياً بتاريخ 18 أبريل 2015 حول موضوع: استقلال النيابة العامة : أية مؤيدات دستورية وواقعية؟
أولا:أرضية اليوم الدراسي
تعتبر النيابة العامة مكونا هاماً داخل بنيات السلطة القضائية وفق دستور 2011 بالنظر لدورها في تحقيق العدالة الجنائية من خلال تحريك الدعوى العمومية والطعن في الأحكام والقرارات والأوامر القضائية الصادرة بشأنها، وهو ما يضمن مساواة المواطنين أمام القانون والمحاكم بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية ومواقعهم داخل السلطة.
إن بحث موضوع استقلال النيابة العامة يهدف إلى تجاوز تكريس الواقع الحالي لتبعية النيابة العامة للسلطة التنفيذية، ممثلة في وزراة العدل، من خلال الموقف الدستوري المجمع عليه المؤيد لاستقلال النيابة العامة الداعي إلى تحريرها من تبعية السلطة التنفيذية احتراماً لمبدأ استقلال القضاء، وذلك في اتجاه ما يطمح إليه المغرب من تعزيز وتكريس دولة الحق والقانون. وتأسس ذلك على مجموعة من النصوص الدستورية والمعايير الدولية والتجارب الأجنبية، حيث ينص الفصل 113 على أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، لاسيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم، كما أن الفصل 111 متع أعضاء الجهاز القضائي بنفس الحقوق المتمثلة في الانتماء إلى جمعيات دون التمييز بين قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة. كما يعتقد هذا الاتجاه أن استبعاد وزير العدل من تركيبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية هو ضمان الاستقلال التام للنيابة العامة عن الجهاز التنفيذي.
إن هذه الاستقلالية تمت مناقشتها في إطار إصلاح شمولي لمنظومة العدالة في المغرب تسمح لنا بطرح مجموعة من التساؤلات من بينها: هل استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية كفيل بترسيخ العدالة الجنائية؟ أم أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تحكم النيابة العامة في قنوات إدارة وتدبير العدالة الجنائية بكافة أشكالها بعيداً عن الرقابة والمحاسبة التي يقوم عليها دستور 2011؟ ثم هل استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية يتنافى مع خصائصها؟ ما هو موقع النيابة العامة من السلطة التنفيذية في الدول الديمقراطية من حيثُ وسائل عملها القانوني والمؤسسي، وكيف يمكن الاستئناس بهذه النماذج المقارنة؟ وما هي الآليات المقترحة لعمل النيابة العامة في استقلال عن السلطة التنفيذية؟
يأتي تنظيم هذا اليوم الدراسي من طرف نادي قضاة المغرب بشراكة مع شعبة القانون بالكلية المتعددة التخصصات ومع نقابة هيئة المحامين بمكناس للإجابة على مختلف الإشكاليات المشار إليها أعلاه بمشاركة نخبة من الأساتذة الجامعيين والسادة القضاة والسادة المحامين وممثلين عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان وممثلين عن جمعيات المجتمع المدني.
ثانيا:أشغال اليوم الدراسي
افتتحت برحاب الكلية المتعددة التخصصات أشغال اليوم الدراسي على الساعة العاشرة صباحاً بتلاوة آيات من الذكر الحكيم. ثم انطلقت الجلسة الافتتاحية برئاسة الأستاذ العباس الفاطمي، نائب رئيس المحكمة الابتدائية بالرشيدية. استمع الحضور إلى كلمات افتتاحية لكل من السيد رئيس نادي قضاة المغرب وممثل لنقيب المحامين بمكناس ورئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب ورئيس شعبة القانون بالكلية متعددة التخصصات بالرشيدية، أشادت بأهمية وراهنية موضوع اليوم الدراسي ،وركز الدكتور الشنتوف على أن النيابة العامة جزء من السلطة القضائية ولا توجد سلطة مستقلة يوجد جزء منها تابع لسلطة أخرى مع أن الدستور يعتبرها سلطة مستقلة لأنه في الأنظمة التي تتبع فيها النيابة العامة للسلطة التنفيذية هي محسومة بدساتيرها ، ودعى إلى الكف عن هذا النقاش المحسوم والاستعاضة عنه بالنقاش حول أساليب عمل النيابة العامة المستقلة وطرق ممارسة النيابة العامة لعملها اليومي والقضائي وربط المسؤولية بالمحاسبة والحكامة وطرق اخيار المسؤولين في النيابات العامة وغير ذلك. أعقبت هذه الجلسة استراحة شاي، انطلقت بعدها جلسة تقديم ومناقشة الأوراق البحثية. ترأس هذه الجلسة الأستاذ محمد أمزيان، عضو بهيئة المحامين بمكناس.
بدأت الجلسة العلمية بعرض للأستاذ ياسين مخلي، عضو بنادي قضاة المغرب ومستشار بمحكمة الاستئناف بمكناس حول استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية. تطرق الباحث لمبررات أدعياء استمرار الوضع القائم، خصوصاً فكرة التراتبية التي يرى ضرورة فهمها بطريقة صحيحة لأنها تُطبَّق في كثير من النظم الديمقراطية التي تفصل النيابة العامة عن السلطة التنفيذية فصلاً بيِّناً. كما عرض لأهمية ربط مسؤولية قضاة النيابة العامة بالمحاسبة، مشيراً إلى أهمية الرقابة الذاتية والمجتمعية بهذا الشأن، ومذكراً بدور نادي قضاة المغرب في العمل على إقرار استقلالية النيابة العامة من خلال عدة محطات نضالية.
ثم تناول الكلمة الأستاذ ندير المومني، مدير الدراسات بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان في موضوع: حجج المجلس الوطني لحقوق الإنسان من أجل استقلال النيابة العامة، فأشار إلى أهمية تمثل استقلال القضاء كما تنص عليه نصوص القانون الدولي ذات الصلة، مبرزاً أربع حجج بنى عليها المجلس الوطني لحقوق الإنسان موقفه من استقلال النيابة العامة، تتعلق أولاً بضرورة إجراء قراءة نسقية لمبدأ الفصل بين السلط كما جاء في دستور المملكة، مع اعتبار أهمية التحكيم الملكي من خلال رئاسة الملك للمجلس الأعلى للقضاء وتكامل الأدوار بين المؤسستين، مشيراً في الأخير إلى أهمية ربط المسؤولية بالمحاسبة. ثم استعرض الباحث مجموعة من التجارب الدولية حول الفصل بين النيابة العامة والسلطة التنفيذية. كما أشار إلى موقف المجلس الوطني لحقوق الإنسان من تعيين وكيل الملك بمحكمة النقض معتبراً أنه ليس هناك داعٍ لاستلهام التجارب الأجنبية حول الفصل بين السلطتين القضائية والتنفيذية لوجود خصوصية دستورية مغربية تجعل الملك ضامناً لاستقلال السلطة القضائية من خلال ما أسند إليه الدستور من اختصاصات بهذا الشأن.
ثم تناول الكلمة الأستاذ محمد الهيني، نائب الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بالقنيطرة وعضو بالمكتب التنفيذي لجمعية عدالة لعرض موضوع حول آليات مراقبة ومحاسبة النيابة العامة، فأشار إلى عدة مبادئ دستورية يمكن بها تحقيق استقلالية القضاء كربط المسؤولية بالمحاسبة، والضمانة الملكية لاستقلال السلطة القضائية. كما أشار إلى عدة آليات لربط مسؤولية القضاة بالمحاسبة كما وردت في قوانين مختلفة كالإداري والجنائي والمسطرة الجنائية، مثل الضمانة الملكية من خلال التعيين والعزل ومراجعة قرارات المجلس الأعلى للسلطة القضائية ،والطعن في قرارات النيابة العامة الإدارية أمام القضاء الإداري، ودعوى المسؤولية الإدارية والمخاصمة ضد أعضاء النيابة العامة والتشكك المشروع وآليات التجريح والتأديب والعزل وإنهاء المهام، والدعاوى الجنائية عن الشطط وتجاوز السلطة وغيرها.
ثم تناول الكلمة الأستاذ أناس المشيشي، أستاذ باحث بالكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية متحدثاً عن استقلال النيابة العامة من خلال عرض مختلف التجارب المقارنة، منطلقاً من النماذج الأقل استقلالية (ألمانيا وإسبانيا) إلى الأكثر استقلالية (إيطاليا) مروراً بنماذج وسطية من حيث استقلال النيابة العامة (بلجيكا وهولندا)، وخلص إلى أن التوجه العام ينحو في جميع الدول الديمقراطية إلى تعزيز استقلال النيابة العامة، بل حتى في الدول الأقل استقلالية استطاعت النيابة العامة الحد من التبعية للسلطة التنفيذية عن طريق أجهزة وسيطة كمجلس النيابة العامة في إسبانيا وهيئة الوكلاء العامين في بلجيكا وهولندا. كما أشار الباحث إلى أن هذه الأجهزة مكنت النيابة العامة من أن تحوز نوعاً من الاعتراف السياسي والاجتماعي، ونبه إلى مساوئ “الاستنبات القانوني” والأخذ من النموذج الفرنسي دون الاطلاع على النماذج المقارنة وإلى ضرورة تبني ما يلائم الخصوصية المغربية، مبرزاً أهمية اعتماد نظام النيابة العامة المتخصصة في قضايا محاربة وزجر تهريب المخدرات والقانون الجنائي الاقتصادي.
ثم تناولت الكلمة الأستاذة فتيحة مقنع، برلمانية وعضوة بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، لعرض موضوع حول استقلالية النيابة العامة في ظل دستور 2011، ذكَّرت فيه بأهمية استقلال وكيل الملك لدى محكمة النقض، مستفسرة ً عن الجهة التي يمكن أن تسائله عملاً بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
ثم فُتِح بابُ النقاش حول محاور اليوم الدراسي فأدلى العديد من الطلبة والأساتذة والباحثين بآرائهم حول الموضوع. ثم أَعلن مُقَرِّرُ اليوم الدراسي عن مجمل التوصيات التي تقدم بها السادة الأساتذة.
ثالثا:توصيات اليوم الدراسي
1- تحديد سلطة الموافقة على تعيين الوكيل العام للملك بمحكمة النقض، للملك بما يضمن استقلاله وحياده.
2- اعتماد أسلوب انتخاب الوكيل العام للملك، وتحديد مدة ولايته الغير قابلة للتمديد.
3- منع توجيه تعليمات من وزير العدل أو أي هيئة تنفيذية لأعضاء النيابة العامة.
4- منح المجلس الأعلى للسلطة القضائية سلطة مراقبة مدى تنفيذ الوكيل العام للملك للسياسة الجنائية.
5- عدم السماح لسلطة وزارة العدل في تحديد السياسة الجنائية أن تؤدي إلى تقييد السلطة التقديرية للنيابة العامة، وذلك من أجل ضمان مبدأ ملاءمة المتابعة وتفريد العقاب.
6- تعديل المادة 51 من قانون المسطرة الجنائية من أجل التنصيص على استقلال النيابة العامة في القيام بمهام الأبحاث والمتابعة، وعلى تمكين وزير العدل من أن يُبلغ إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ما يصل إلى علمه من مخالفات القانون الجنائي، دون أن تكون لوزير العدل إمكانية إصدار أمر كتابي لمتابعة مرتكبيها أو تكليف من يقوم بذلك.
7- تأييد الخيار المعتمد في المادة 20 من مشروع القانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة التي تنص على أن يوضع قضاة النيابة العامة تحت سلطة ومراقبة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورؤسائهم التسلسليين.
8- تبليغ وزير العدل للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض توجهات السياسة الجنائية من خلال مناشير أو دوريات عامة وغير شخصية، مع ضرورة احترام مبدأ تراتبية القواعد القانونية المنصوص عليه في الفصل السادس من الدستور.
9- إحداث مجلس للدولة طبقا للفصل 114 من الدستور لتفعيل الرقابة الشرعية على أعمال النيابة لعامة.
10- تخويل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض باعتباره رئيس النيابة العامة الإشراف وتتبع أعمال النيابة العامة.
12- نقل الإشراف الكلي على الضابطة القضائية إلى سلطة النيابة العامة وجعلها من أجهزة السلطة القضائية.
11- إحداث مجلس الوكلاء العامين للملك تحت السلطة المباشرة للوكيل العام للملك بمحكمة النقض يخول له اقتراح توجهات السياسة الجنائية والسهر على تنفيذها، وتخويل هذا المجلس حق مراجعة قرارات النيابة العامة المتصلة بحفظ الشكايات، وسائر التظلمات ضد القرارات المتعلقة بها.
12- تنظيم قاعدة التبعية والتسلسل الرئاسي وحدوده التي يخضع لها قضاة النيابة العامة.
13- تمتيع قضاة النيابة العامة بنفس الحصانة ضد النقل والعزل التي يتمتع بها قضاة الأحكام.
14- تنظيم مسطرة للتظلم ضد قرارات النيابة العامة أمام الجهة التي تعلوها درجة.
17- إحداث مسطرة للتشكك المشروع والتجريح ضد أعضاء النيابة العامة.
18-الارتقاء بدور الجمعيات المهنية للرقابة على تفعيل مبدأ استقلالية أعضاء النيابة العامة ودعم محاسبتهم ومراقبتهم