نحو تعريف جديد للهايكو


يكتبها : ذ . عبد القادر الجموسي
في مقالات سابقة، قمنا بمقاربة خصائص الهايكو بمقارنته مع أنماط مجاورة له في الوجازة والبناء كالنسريو والشذرة والغنائية والابغرامة. كما نشرنا وثيقة “في بيان الهايكو” ضِمن أشغال ندوة الهايكو الثانية (وجدة، صيف 2016). وقد خلصنا إلى أن الهايكو هو نوع من قصيدة نثر من بيت واحد، بحجم نفس واحد، تتشكل من ثلاثة سطور شعرية، تستلهم عناصر الطبيعة، وتعبر عن الإحساس الإنساني في زمن تحققه، بتعبير حسي بسيط، يرمي إلى تحقيق دهشة شعرية، باعتماد حد أدنى من المحسنات اللغوية والبلاغية. لا يختلف هذا التعريف عن التوصيف الأكاديمي الذي أنجزه الشاعر والناقد جورج سويني في أطروحة الدكتوراه عام 1995، والذي قدم فيه دراسات تطبيقية وإحصائية على الشعر المكتوب باللغة الانجليزية، بهدف إيجاد معيار مقبول لتعريف الهايكو. ينطلق جورج سويدي من مقدمة مفادها أن للهايكو قواعد اكتسبها عبر مسار طويل من تاريخ تطوره. ومنهجيا، قدم الباحث جردا فاحصا لأهم المعايير المتداولة في تعريف الهايكو. لهذه الغاية، اعتمد على تعريفات أبرز النقاد والمترجمين الذين تناولوا الهايكو بدء من بلايث (1949)، وياسودا (1957)، وهندرسون (1958- 1967)، وغيرو (1974)، ويواسا (1974)، وأويدا (1976- 1991)، وهيغنسون (1985)، وفان دن هوفل (1986). واستشف منها ثمانية قواعد تحيط بمختلف أوجه كتابة الهايكو. القاعدة الأولى: الهايكو قصيدة وجيزة تتألف من سبعة عشرة مقطع صوتي، تقرأ في نفس واحد. يعتبر سويدي أن مسألة عدد المقاطع خاصة بطبيعة اللغة اليابانية وليس الانجليزية أو غيرها من اللغات. ويسجل أنه ابتداء من سنوات الستينيات، 80 في المائة من الهايكو الأمريكي المنشور في أفضل الانتولوجيات والدوريات المحكمة يتوفر على أقل من 17 مقطع صوتي. وهو ما يجعل من السمة المقطعية غير ملزمة في الهايكو الانجليزي. بينما تظل خصيصة “النفس الواحد” معيارا ناجعا لقياس وجازة القصيدة – الهايكو. القاعدة الثانية: تكتب القصيدة – الهايكو في ثلاثة سطور. يلاحظ سويدي أن “السطور الثلاثة” ليست قاعدة كلاسيكية. وذلك بالنظر إلى أصل الهايكو الذي كان يكتب في سطر أفقي وفقا لقواعد الكتابة اليابانية. وأشار الى تجارب لكتابة الهايكو في سطرين أو ثلاثة سطور أو حتى أربعة سطور. ليخلص إلى أن أسلوب الثلاثة سطور هو “ابتكار غربي”. ورغم أن زهاء 90 في المائة من الهايكو الأمريكي التزم بقاعدة السطور الثلاثة، فإن هذه الطريقة لا تمثل معيارًا ملازما لتعريف الهايكو. القاعدة الثالثة: من خصائص الهايكو بعث الدهشة الناجمة عن حدس شعري. تفيد هذه القاعدة أن الهايكو الناجح هو الذي يثير نوعا من الدهشة لدى قارئه. وهي قاعدة متفق عليها بين شعراء الهايكو الكلاسيك والحديثين معا. ورغم أن الدهشة قد تتحقق في قصائد طويلة، أو في أشكال وجيزة كالسنريو والابغرامة، إلا أن دهشة الهايكو، برأي سويدي، ترتبط بلحظة “تنوير” أو يقظة الوعي بوحدة الإنسان مع الكون المحيط به. ويعزو الباحث تحقيق هذه الدهشة من خلال حضور أقنوم الطبيعة الذي يمنح شاعر الهايكو فرصة التحليق فوق الاعتيادي. القاعدة الرابعة: الهايكو قصيدة تتضمن الإحالة إلى الطبيعة تركز هذه القاعدة على أهمية الإشارة الى الطبيعة بوساطة “كلمة موسمية” او ما يوحي بذلك. وأنه في حال استحضار الطبيعة الإنسانية كجزء من الهايكو، فينبغي أن يتم ذلك من منظور العالم الخارجي. مع ذلك، لا يجعل سويدي من “القاعدة الموسمية” معيارًا أساسا لتعريف الهايكو. القاعدة الخامسة: الهايكو قصيدة تقدم صورة حسية تفترض هذه القاعدة اعتماد الهايكو على صورة حية ملموسة، دون تجريد أو تعميم. يقترح الباحث أن تمثل الصورة الحسية قاعدة واضحة أو معنى أوليا يمكن للقراء، كل حسب استعداده ومنظوره وثقافته، أن ينطلق منها لتكوين قراءته وتداعياته الخاصة. القاعدة السادسة: الهايكو قصيدة عن حدث آني يسجل الباحث أن أغلب قصائد الهايكو اليابانية والأمريكية تصف حدثا يقع في الزمن الحاضر. لكنه لايستبعد أن يحقق الشاعر الماهر سمة “الآنية” من خلال استعمال زمن الذاكرة. يعتقد سويدي أن كل قصيدة هايكو هي “شظية ذاكرة” يحكيها الشاعر في الزمن الحاضر كنوع من إعادة خلق الواقع. القاعدة السابعة: الهايكو قصيدة موضوعية، لا ذاتية. بالنظر إلى القواعد السالفة الذكر، لا يبقى لشاعر الهايكو من حيّز لإقحام ذاتيته بشكل مهيمن في القصيدة. مع ذلك، فإن نسبة محدودة من ذات الشاعر موظفة بمهارة في نسيج القصيدة يكون فيها إغناء للإحساس أو الانطباع الذي يود الهايجين أن يخلفه في نفس القارئ. القاعدة الثامنة: الهايكو قصيدة تتجنب الاستعارة والوزن. هذه القاعدة غير ضرورية. لأن الهايكو شعر قبل كل شيء. واستعمال بعض أدوات وأساليب التعبير الشعري من قبيل “الاستعارة” بدربة، يمكن أن يساهم في تصعيد تجربة الهايكو. لكن المبالغة فيها تضعف الصورة المحورية وتحول الانتباه إلى عناصر شكلية ليست من صميم “تجربة الهايكو”. بعد دراسة هذه القواعد، يرى جورج سويدي أن خمسة منها فقط تعتبر أساسية في كتابة الهايكو الحديث. يوجزها في: النفس الواحد، وإحساس الدهشة، ومظاهر الطبيعة، والتصوير الحسي الملموس، والآنية.