مؤامرة ضد سيادة الأمة
أفرزت مشاورات الحكومة في شخص وزير الداخلية مع الأحزاب المغربية بخصوص تعديلات مشروع القانون التنظيمي الخاص بانتخابات مجلس النواب 04-21 بدع لا صلة لها بالديمقراطية ولا توجهٌ لها في مجال الإنتخابات الدولية , وما زاد الأمر تشكيكا هو تصويت الأحزاب رغم لادستورية التعديلات في شكلها ومضمونها .
فقد أصبح من الواجب على المواطنين , وقفة رجل واحد أمام الردة الديمقراطية التي تفرض المؤامرة وتكريس الرقابة السياسية من أجل التحكم والإستقواء ونسف مبادرات النضال وضرب المكتسبات التي تحققت في دستور جديد يرقى لدساتير دول العالم المتحضر والمتقدم الديمقراطي .
فالإنتخابات القادمة يؤطرها اليوم قانون إنتخابي لا يرقى للإنتخابات النزيهة والحرة والديمقراطية ويفرغ الإستحقاقات من جوهرها الأساسي الذي تتم فيه عملية التصويت والإقتراع كمكون لسيادة الشعب في اختيارهم لممثليهم داخل البرلمان وباقي المجالس المنتخبة .
وحتى نكون عمليين في تحليلنا للأمور وفي إطار الرد , سنتناول النقط الأساسية التي طغت على النقاش العمومي في البرلمان :
-1) عدم تحقيق المساواة في العملية السياسية بين الرجل والمرأة من خلال التمييز الذي بدا واضحا من خلال اللائحة الجهوية للنساء وإبعاد الشباب وتمكين المرأة من المراتب الأولى والثانية وتمتيعها بإضافة المقاعد وهذا يخالف الفصل 19 من الدستور :
” يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. “
” تسعى الدولة إلى تحقيق مبدإ المناصفة بين الرجال والنساء. وتُحدث لهذه الغاية، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز. “
بناء على الفصل الدستوري , كان على الأحزاب أن تستح من نفسها , وعلى من يدعي المعرفة القانونية التنحي عن منصبه للفقهاء والمتخصصين في العلوم القانونية أن يشرعوا في مجال الإختصاص , فالشعب لم يعد يستحمل ما يجري ويدور من خلال تسويف مطالبه وتعليق إنتظاراته التي تنتهي بعقوبات سجنية بغية التخويف والترهيب .
فأين تكمن المساواة السياسية للرجل والمرأة عندما نغيب الطرف الآخر بقوة التصويت الجماعي باسم استقواء تحالف المرحلة لأحزاب تختلف في عقيدتها الإيديلوجية وخطها السياسي .
-2) تفضيل المرشح الحزبي على اللامنتمي , فالحزبي يترشح على أساس تزكيته من مكتبه السياسي فقط , لكن المترشح اللامنتمي فهو مجبر أن يخضع لشروط , فهو من يتحمل تكلفة حملته الإنتخابية , وأن يجمع 200 توقيع ضمنها 20% توقيع من المنتخبين , فكيف له سيحصل عن توقيعات المترشح الند أو المتنافس , وهذا من سابع المستحيلات وتعجيز صريح .
وبهذا نكون قد ضربنا كذلك الفصول الدستورية التي يجدر بجميع الأحزاب إحترامها والتقيد بها وتطبيقها إذا كنا فعلا نسعى إلى تحقيق دولة القانون والتي تفتخر بأسمى قوانينها وهي الوثيقة الدستورية .
-3) الإحتساب الإنتخابي المعتمد على عدد المسجلين باللوائح الإنتخابية :
من خلال هذا النظام ” القاسم إنتخابي ” وجب علينا إعادة قراءة متأنية للفصول الدستورية التي نحتكم لها في حالة الزيغ أو الإخلال أو الإنزلاق لكونها فصول صوت عليها الشعب وليس البرلمان وهنا قوة الدستور وسموه على القوانين , وعندما نتجاهلها أي الفصول الدستورية نسقط في قانون الغاب , ونموضع الشعب تحت كل أشكال الضغط والقهر حيث تسمو لغة الرقابة السياسية التي يأتي بعدها خروج القطار عن سكته وهذا ما لا نرغبه ولا نفكر فيه حتى في الحلم .
فالإحتساب الإنتخابي على أساس عدد المسجلين , أمر جديد ليس له مبرر قانوني ولا مرجع دستوري ولا بديل دولي وحتى في إطار التدريس لا نجده في مقرراتنا التعليمية .
إنه بدعة صنعتها المؤامرة , فلا يعقل إبعاد الأصل من الإنتخابات هو عدد المصوتين وليس المسجلين في القوائم الإنتخابية , فالأخيرة تحيلنا على أن من بين المسجلين في اللوائح مغاربة الخارج الذين لم يسمح لهم بالتصويت ولم توفر لهم الظروف التقنية لممارسة حقهم في الإقتراع والنزول إلى صناديق الإقتراع , كما أن من بين المسجلين حالات وفيات أي أموات ومرضى ومساجين وغيرهم ما يجعلنا نطرح السؤال حول أحقية الإحتساب من خلال عدد المسجلين .
فإذا كان الفصل 2 من الدستور يؤكد على أن الأمة تختار ممثليها في المؤسسات بالإقتراع الحر والنزيه والمنتظم فلماذا نوظف القانون لخدمة أجندات سياسية ؟ وما علاقة لوائح المسجلين بالتصويت ؟
– 4) مغاربة الخارج والإنتخابات المقبلة :
حتى نكون واضحين مع الجميع , أن الأحزاب المغربية التي صوتت على مشروع القانون التنظيمي 04-21 أخطأت جملة وتفصيلا وأبانت أن ما كانت تخوضه من نقاش حول المشاركة السياسية لمغاربة الخارج هو در الرماد على العيون وأن تأسيس التنسيقيات أمر يخدم أجندة القاسم الإنتخابي المعتمد على عدد المسجلين في اللوائح الإنتخابية ما جعل فروع الأحزاب بدول الإستقبال تسخر لهذه العملية للرفع من عدد المسجلين باعتبار العملية مؤامرة مؤقتة للإنكباب على التصويت ليصبح الإحتساب لصالح الأحزاب صاحبة اللوائح الإنتخابية , لكن المصيبة العظمى أن هؤلاء المنتمين للأحزاب باسم مغاربة الخارج أصابتهم ضربة سيف قاطع عندما تم إبعاد مغاربة الخارج عن الإنتخابات 2021 .
فالتعديل الذي أصاب قانون الإنتخابات في مادته 22 ( الفقرة الأولى )
حسم أمر التنسيقيات الحزبية والمبادرات المدنية وأعلنتها الأحزاب جهارا أن القانون لا يحمل لائحة خاصة بمغاربة الخارج , بل كل من أراد من مغاربة الخارج الترشح , عليه أن يلج الإنتخابات من الحدود الجغرافية للمملكة المغربية أي أن كل ناخب لن يكون ممثلا للجالية بل يمثل نفسه سواء من خلال تزكية للأحزاب أو لا منتميا لأي لون سياسي .
فهذا التحدي دأبت عليه الأحزاب المغربية التي تشبعنا خطابات كلما أتيحت لها الفرصة , وقد حذرنا من هذه السياسة التي تستخف بخيرة المغاربة والكفاءات المغربية بالخارج لكن مع الأسف الشديد لم نجد إلا الآذان الصماء والبعض ممن خدر بالتسيس داخل الأحزاب وداب بعد الإنخراط الذي وصمه بالمناضل مع وقف التنفيذ .
مالم يستسغيه العقل , كيف للمكون الحكومي ولأحزاب المعارضة أن يتطاولوا على الفصول الدستورية بهذا الشكل وكأنهم على حق علما أنهم على باطل .
الفصل 17
” يتمتع المغاربة المقيمون في الخارج بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات. ويمكنهم تقديم ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية، المحلية والجهوية والوطنية. ويحدد القانون المعايير الخاصة بالأهلية للانتخاب وحالات التنافي. كما يحدد شروط وكيفيات الممارسة الفعلية لحق التصويت وحق الترشيح، انطلاقا من بلدان الإقامة. “
وفي هذا الإطار أود أن أقول كلمة حق , أن المؤامرة تكمن في عدم تنزيل الفصول الدستورية وحتى ولو أردنا كمواطنين الطعن واللجوء إلى المحكمة الدستورية فالفصل 133 من الدستور بدوره معطل ففي حالة تقديم الدعوى فالمحكمة الدستورية ترفضها لعدم الإختصاص وهنا تكتمل المؤامرة ويصبح قانون الإنتخابات الجديد والمعدل بحكم التصويت عليه في البرلمان ساري المفعول , لازلنا نحتاج إلى سنين ضوئية من أجل التغيير
فهل أولادنا وبناتنا سيتسلمون المشعل ؟
فاصل ونواصل
حسن أبوعقيل