قال فيهم الرحمن ” ويوثرون على أنفسم ولو كان بهم خصاصة “.

تعميما للفائدة أخترت لكم هذا المقال الرائع أسلوبا ومضمونا , قراءة تستحق منكم المتابعة وللتعرف على هذه الشريحة من المواطنين
فتحية كبيرة للأستاذ الفاضل حكيم الوردي الذي يبهرنا بكتاباته حسب الحدث ولنا الشرف نشرها بصحيفتنا ” نبض الشعب ” بالولايات المتحدة الأمريكية
أترككم للقراءة والتعليق .
******************
وحي القلم 239
مقام الايثار
حكيم وردي: باحت في القانون
الانفاق في سبيل الوطن زمن الجائحة خروج من ضيق الأنا إلى رحابة النحن، وعندما يقترن بالخصاصة يرقى إلى مقام قرآني لأولئك الذين قال فيهم الرحمن ” ويوثرون على أنفسم ولو كان بهم خصاصة “.
تكتسب هذه المعاني لذتها عندما تكون محلوبة حليب، ولا يمكنها أن تكون كذلك إلا إذا كان المنفق متحقق بيقين على نذرته فهو ضروري للتخفيف من هول الأزمات، فأحوال العطاء والسخاء منن ربانية ليست متاحة للجميع، لذلك في عرف القوم الذاكر يسير بينما المنفق يطير.
حتما سيتقلب شعب القضاة في مقام الخصاصة مكللين بحب الوطن زمن الفداء، فالمساهمة بنصف الأجرة المثخنة بأقساط قروض الظرورات الأربع ( الحطيان والعجلات والمدارس ) سيجعل العديد منهم يقتات بأقل من ألف درهم في الشهر ( حتى في ظل التجزئة الثلاثية) لتتحقق فيهم بصدق آية الإيثار.
وينبغي الاعتراف أن انخراط السلطة القضائية بجميع مكوناتها في الاجماع الوطني الضروري للصمود في وجه الجائحة يقمع أو على الأقل يؤجل أي تساؤل استنكاري حول معايير تحديد قيمة المساهمة في نصف الأجرة وتعميمها دونما التفات لخصوصية وقساوة الأوضاع المادية لبعض القاضيات والقضاة، متلما سيكون من قبيل الترف القانوني مناقشة حجية كتاب أمين المجلس كسند للخازن عند الاقتطاع في غياب الإذن الصريح من صاحب الأجر.
ولكن في المقابل للجمعيات المهنية للقضاة فرصة تاريخية لإعادة المصالحة مع منخرطيها، بإظهار قربها الحقيقي والفعال لمن سيصبح عقب الاقتطاع في وضعية عجز حقيقي عن الوفاء بالتزاماته كرب أسرة.
ولا ينبغي الخجل، كما لا ينبغي التعميم، فليس الجميع أثرياء، وأكاد أجزم أن هناك من القضاة من إذا توفى اليوم لن تجد أسرته ثمنا لإقامة واجب العزاء، في حين أن هناك من دخل القضاء مستغن عن أجرته بحكم ثراء عائلته، والكل في سياق سنة الله في تفضيل بعض الناس عن بعضهم في الرزق ( مع التسليم أن الرزق ليس دائما مال).
لقد أظهرت بعض هيئات المحامين والموثقين تضامنا جديرا بالتنويه مع منتسبيها ووزعت مبالغ مالية عليهم لمواجهة ضيق ذات اليد، وسوف لن يكون استثناء أن تبادر المكاتب الجهوية للجمعيات المهنية للقضاة في مبادرة مشتركة تنمحي فيها الانتماءات بجرد أولي للقضاة والقاضيات الذين ستتأزم وضعيتهم المادية جراء الاقتطاع إما اعتمادا على المخالطة وحسن الاطلاع حفظا لماء الوجه، أو بوضع بريد الكتروني لتلقي التظلمات المعززة بما يفيد حجم الالتزامات الشهرية القارة ( أقساط قروض: المنزل، السيارة، مدرسة الأبناء، الهاتف الماء والكهرباء …) كمرحلة أولى.
وإذا كان العديد من القضاة والمسؤولين عبروا علانية ومنذ البداية عن استعدادهم للمساهمة بكامل أجرهم في دعم المجهود الوطني للحد من التداعيات المؤلمة للجائحة، فإن تحديد المساهمة في نصف الأجر سوف لن يحرمهم من الثواب والأجر إذا قاموا بتوجيه النصف الآخر إلى حساب تحدثه الجمعيات المهنية وتطعمه بمساهمات الموسرين من أعضائها ومن أموال الدعم المقدم لها من وزارة العدل للتخفيف منه على المعسرين من القضاة الذين تحسبهم أغنياء من التعفف.
ثم إن هناك مسألة مهمة ينبغي التعجيل بها وهي مراسلة الخازن العام قصد تمكين كل من يتوفر على قرض بنكي من استرجاع عائد الفرق المتراكم جراء اقتطاع الضريبة العامة على الدخل دون أخذ بعين الاعتبار لهذا القرض. ودونما حاجة لاتباع مسطرة مهلكة ومحبطة لكثرة الوثائق المتطلبة. وحتما أن الاستجابة لمثل هذا طلب سيوفر مبالغ مالية محترمة يمكن للقضاة أن يضعوها بكل أريحية وسخاء معهود رهن إشارة صندوق كورونا.
إن استرجاع الجمعيات المهنية للمبادرة بالتعبير الحقيقي عن اعتنائها بمنخرطيها وإحداث حساب لدعمهم في مثل هذه الظرفية هو الكفيل بإظهار حجم التماسك والتآخي داخل أسرة السلطة القضائية، بما يخفف من حجم التشظي الذي داهم العديد من أعضائها بين الرغبة في الوفاء بنداء الوطن وقصر ذات اليد حتى إن بعضهم ليصدق فيه قوله تعالى : ( وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَآ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ ).
صدق الله العظيم.