لا تحمل كفنك بيدك

خيوط تماس :

حسن أبوعقيل
الأنين لا يكفينا في حزننا على من نفقدهم كل يوم , فعندما تأتي الساعة فلا هروب ولا مفر منها , فملك الموت واحد مهما تعددت الأسباب , فوباء كورونا من ضمنها سبب يأتي على الأرواح ويأخذ منا من انتهت أيامه وانقضت بحكم الله .
من لم يعش الحروب ومخلفاتها , فالجائحة حرب بدون جنود وبدون أسلحة لكن في الصفوف الأمامية أطباء ومساعدون وممرضون , لم يتقاعسوا ولم يتراجعوا بل كل من موقعه يحارب من أجل سلامة الناس وهم واعون بأنهم يعرضون أنفسهم للموت في أي وقت من الأوقات ومع ذلك تجدهم في الساحة ببدلتهم البيضاء والكمامات والقفازات وآخرون في المختبرات في بحوثهم يتنافسون من أجل إيجاد اللقاحات الضرورية وجرعة الدواء لينتصروا للناس من هذا الوباء القاتل .
فأمام هذه التضحيات , لابد وأن نكون في مستوى التضامن , رغم مرارة الحجر الصحي الذي تراه شريحة من المواطنين , إعتقال لحريتهم الشخصية في التنقل وإقامة جبرية خارج المألوف , متناسين أننا جميعا ملزمون بالتضحية بالغالي والنفيس من أجل حياتنا وأرواح فلذات أكبادنا وجيراننا وأهلينا وأحبابنا وباقي الناس على هذه الكرة الأرضية .
فمهما اختلف الحجر الصحي بين عمرو وزيد , أو بين الدشور والقصور, فنحن ملزمون بالإنصات وتطبيق القانون وإلا كنا متهمون وساعتها إما الدعيرة أو السجون .
أعلم جيدا ما أعنيه لأني ولدت في حي شعبي , وترعرعت بين دروبه وأزقته ودخلت بيوته وعايشت مصابيحه وشموعه ولا أنسى قطرات المطر التي تنزل على موائد الطعام وتنساب على الغطاء والفراش , أٌقول هذا الكلام لأني واثق بأن الحجر الصحي قد لا نطيقه لكن لابد وأن نطبقه ونلازم البيت مهما كان جداره .
متأكد أن من وضع القانون وأمر به لن يستطيع المكوث ساعة واحدة داخل بيت أساسه معلق بيد الله , قد يهوي في أي ساعة من ساعات الله كما سقطت المنازل في الفيضانات أو ساعة اختناق مواسير الواد الحار . لن يستطيع الجلوس ساعة في غرفة مساحتها مترين مربع وحولك ثلاجة طينية ” خابية ” وحصيرة , وغياب تام لطعامك اليومي .
لكن خروجك للشارع أكبر خطئ ترتكبه , خطئ مُجَرَّم بالقانون لكونك خرقت حالة الطوارئ , وقبلها لم تستجب لنداء رجال السلطة وهم يستعطفونك لتلزم سكناك حتى لا تصاب بالوباء , ففي خروجك ضرر على نفسك فقد تعود للبيت وأنت تحمل كفنك أو كفن أحد أسرتك أو عائلتك أو جيرانك , لهذا فالحجر الصحي حصن لك ونعمة لأهلك ولمن بجوارك وللناس جميعا .
قد تحاجوننا بأن البنية التحتية هشة وأن الطبقة الفقيرة تعيش في الحظيظ وتعيش المر والعلقم , قد أتفق معكم لأني واحد منكم أعاني ما تعانوه وجرحي غارق لكن إبتسامتي دائمة بالأمل , فالتدابير الحكومية اليوم وإشراف خلية الطوارئ التي تباشرها وزارة الداخلية نجحت في كثير من الأمور عبر تراب المملكة ومفعولها إنطلق بالمساعدات المالية التي ستهم الجميع وتعم الكثير , إنها جزء من التدابير المحكمة مقابل الحجر الصحي والتخفيف من الإصابات التي تنتشر وتقضي على الأرواح , فالوقت الراهن في ظل حرب الجائحة يتطلب منا جميعا أن نكون القوات المسلحة بالصبر وتنفيد الأمر أولها إلزام البيت واتباع كل التعليمات الصادرة عن وزارة الصحة وبلاغات الداخلية .