شوق وحنين لذكريات الحي القديم

تكتبها : سعاد الشرقاوي
دائما مع نوستالجيا الحياة والسفر عبر الذاكرة ، التي صارت تشوبها بعض الضبابية ربما بسبب السن 😉 أو الفرق الزمني ، أو اتساع الهوة بين زمن وآخر .
كلما تذكرت وعدت لتشغيل ذاكرتي في قراءة بسيطة للماضي الذي ولى ، إلا وأحسست بنشوة يكاد لها قلبي أن ينفطر، لكن تفرض المقارنة نفسها بإلحاح، فتحبط نشوتي للفارق الكبير الذي يعتليهما.
هي حياة مغايرة تماما تملأها المحبة والتكافل وروح التضامن الاجتماعي، هي حياة كانت فيها الأم أما لحي بأكمله ، والمنازل مفتوحة أمام الكل والمطبخ هو الآخر مشترك ، وصديقة البنت أو صديق الولد هو صديق للعائلة ، وله أو لها نصيبها من الشهيوة بحكم العرف الساري ، حضرت ام غابت يبقى محفوظا دون شك .
أذكر على سبيل المثال خالتي #مليكة# ، التي كانت تسكن بجوار بيتنا ، امرأة دائمة الابتسامة، حنونة وطيبة رغم افتقادها لصفة الأمومة لكن كل أبناء الحي أبناء لها بحكم العشرة والمعاملة الحسنة، أحببتها وأحبتني بصدق ، لازلت أذكر هديتها لي و المستمرة على الدوام كلما مررت لزيارتها أو قمت بخدمة بسيطة لها وإلا ومدتني بها ، هي عبارة عن عقد مرصوص من حبات اللوز الحلو ، تلبسني إياه بيديها وأفرح به أشد الفرح وأقضي يومي وأنا أتكاسل وأتثاقل في تناوله إلى أن يفرغ العقد من حباته ولا يفضل إلا الخيط في عنقي فتبتسم في وجهي وتقول لي ، ساعد لك آخر لا عليك ، لن أنساها ولن انسى هديتها الفريدة من نوعها التي تنم عن فن ودقة في الإبداع .كانت هذه السيدة نموذجا لعلاقات زمان ، انسانة ودودة ، دائمة الابتسامة، قليلة الشكوى رغم علتها المفترضة ، وقس على ذلك العديد من النماذج والعديد من المواقف الإنسانية التي تجعلك تحن إلى ذلك الزمان رغما عنك ، وتتذمر من زمان أبعدنا عن بعض كل البعد ووأد في طريقه للحياة كل ماهو إنساني وروحي ، ليقربنا لكل ماهو افتراضي ومصطنع، فاقد لروح الحياة، زمن فارغ المحتوى ، مادي فوق كل تصور، أفقدنا مصداقية كل شيء، مصداقية الكلام ، مصداقية التعامل والمحبة ، زمن أبعد الكل عن الكل ، زمن الانفرادية والإنطوائية والتفكير الضيق، زمن تخطانا وتخطى مبادئنا الحقيقية إلى أخرى مستعارة ، جعلتنا نفقد الخطى ونتلعثم في مشيتنا، زمن أناني محب لنفسه بمعنى الكلمة، زمن فرض علينا بدعوى التقدم والتطور، كل همه مظاهر لا تسمن ولا تغني من جوع، ركز على التهافت على الماديات و المناصب.
زمن المصلحة التي حطمت في طريقها كل معنى جميل وكل أخلاق راقية وكل إحساس بالآخر .
زمن أسقط صفة الوحشة إلى الناس والاحباب من قاموسه الجاف ، أفقدنا حلاوة الرسائل ومتعة الانتظار ، اجتمعت فيه كل التناقضات وغابت فيه كل الإيجابيات!!!
فأصبح باختصار شادا لم يعد أحد باق على أحد ، الكل يتهافت وراء مصلحته ضاربا بعرض الحائط كل ما هو نبيل وجميل وطيب وكل ماهو منعش للروح قبل الجسد !!!

“ويبقى الاستثناء حاضرا أحب من أحب وكره من كره ”
” شوق وحنين لذكريات الحي القديم ❤