عندما نتكلم عن الصحافة فمباشرة يتبادر إلى الدهن صورة لسلطة لها ما لها من تقدير واحترام للدور الذي تلعبه داخل البلاد والعباد وعليه يجب أن تتمتع الصحافة بحرية واستقلالية تامة , وعلى الصحفي أن يخضع للمراقبة الذاتية دون توجيه من أي جهة حتى يتسنى له القيام بواجبه وتأدية رسالته الإعلامية في إطار احترام للقوانين المنظمة لمدونة الصحافة وحتى لا يرى لنفسه أنه فوق القانون .
فما نعيشه في بلدنا أن التجربة داخل هذا الميدان تحكمها الأحزاب السياسية , التي تبنت داخل مؤسساتها الحزبية منشآت إعلامية ووظفت صحفيين تابعين للخط التحريري لمكاتبها السياسية ونهج الحزب وأهدافه ما أثر بشكل كبير على واقع الصحافة المغربية بحيث لا يكتب ولا ينشر إلا ما يرضى عنه الأمين العام للحزب , وهنا يسقط الدور الحقيقي للصحفي الذي يتحول إلى أداة لنقل الأنشطة والقيام بتغطيات للأجهزة وهياكل المؤسسة الحزبية ماعدا بعض الإستثناء الذي يتجلى في تبعية الصحفي للأغلبية أو المعارضة البرلمانية وهنا سيجد الصحفي نفسه مجبرا على عدم انتقاد وزراء في حالة كون الحزب الذي يشتغل معه مكون للحكومة ما يفرض على الصحفي قولة ” نعم ” في كل كتاباته وأن يصبغ كل المقالات باللون الوردي .
أما إذا كان الصحفي ينتمي إلى حزب في المعارضة البرلمانية , فإنه يسلط مداده عملا بقولة ” لا ” سواء قامت الحكومة بعمل جيد أو سيئ , فكلمة ” لا ” هي العليا تتبناها الأحزاب المعارضة وتفرضها على صحفييها للتشويش وتمويه الرأي العام أملا في كسب عطف الجمهور وهذه لعبة تتقاسمها الأحزاب فيما بينها حسب الظروف والأحوال الممكنة لأحزاب المرحلة وهكذا دواليك .
فكثير من الأحيان نجد المواطن لا يعترف بأن لدينا صحافة وصحفيين , ويعتبرون أن الأقلام دون المستوى وأنها تخالف الواقع ومسيرة في مدادها لكنه يجهل – المواطن – تماما أن الصحفي في الواقع المغربي هو موظف لدى المؤسسة التي يشتغل بها وأنه يقوم بعمل مقابل راتب شهري وإلا وجد نفسه واقفا أمام البرلمان رافعا مطالبه مع باقي حملة الشواهد العليا والكفاءات .
فالصحفي الحزبي لا يمكنه أن ينتقد وزيرا في الحكومة والمنبر الإعلامي الذي يشغله ناطق بلسان حزب مكون للحكومة , وفي حال تمرير أي خطاب معكوس فسيجد الصحفي نفسه خارج الجريدة متوقفا عن العمل .
وفي حالة تغييرما , أو انتخابات جديدة تجعل من حزب الأمس خارج الحكومة فالصحفي مجبر أن يحول كل أوراقه من صحفي تابع للأغلبية إلى صحفي منحاز للمعارضة حيث تتحول كلمة ” نعم ” إلى ” لا ” وهذا التغيير يؤثر بشكل كبير على كتابة الصحفي لكون المقالات الجديدة تتناقض وما أساله من مداد في فترة الإنتماء إلى الأغلبية .
ما لا يعرفه الجمهور أن جل الصحفيين داخل الأحزاب هم مدرسة للتكوين الصحفي , وأنهم قادرون على إعطاء الصورة الحقيقية لدور الإعلام بجميع مكوناته فهم فعلا كفاءات تعلمنا على أيديهم مشكورين , لكن قناعاتهم للواقع الذي يفرض نفسه في إعالة أسرهم وذويهم جعلهم يخضعون للعمل مقابل الراتب الشهري للأسف وخضعوا للخط التحريري الذي يشرف عليه أعضاء من المكتب السياسي لكن أجمل صورة نستشهد بها أن أغلب الصحفيين داخل الأحزاب والذين انفكت عقدهم بعد طلاقهم من المؤسسات الحزبية وأسسوا منابر مستقلة برهنوا على أن دورهم الإعلامي حاضر بقوة الصحفي الحر الخادم للمجتمع .
فاصل ونواصل
حسن أبوعقيل