عندما نتحدث عن الدخول السياسي الجديد , فإننا نتحدث عن أحزاب ونخب وبرامج , ونستعرض في نفس الوقت حصيلة تدبير الشأن العام للسياسات العمومية , لكن أمام الواقع والحال المجتمعي والإقتصادي والمشهد الحزبي , فالدخول السياسي الجديد يبقى عنوانا للإستهلاك والدعاية المجانية للسياسة المرتجلة في غياب رجالات خدومة للبلاد والعباد .
فمهما كانت الإرادة السياسية لأعلى سلطة في البلاد , فإنها تصطدم بالواقع المعاش الذي يؤكد الصورة النمطية لسياسة هشة قوامها عدم الامبالاة وخدمة المصالح الشخصية وتكريس خطابات التفاؤل والعالم الوردي لأجمل بلد , في غياب تام للمحاسبة أمام المسؤولية وتطبيق القانون على الجميع .
فبالرجوع إلى الحصيلة الحكومية , لا جديد على الساحة الإجتماعية والإقتصادية , بطالة وعطالة واقتراضات وديون الخاسر فيها شعب ” وفي ” والرابح فيها فصيل ” خدام الدولة ” الذين تنتهي مهامهم بشيكات نهاية الخدمة ومعاشات مغرية تصاحبهم حتى اللحد .
قد يرد بعض الوزراء أننا نبالغ في القول ونأتي في كتاباتنا بآيات التشاؤم ونرى للوضع بنظارات سوداء , أقول لهم هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين , فالخطاب الرسمي ليس معتمد لسبب واحد لكون التصريحات التي يتبناها خطاب الناطق الرسمي باسم الحكومة ماهي إلا تصريحات يراد بها إقناع الرأي العام الدولي خاصة الأبناك الدولية المانحة للديون والقروض والمنظمات الدولية الخاصة بمجال حقوق الإنسان وهذه لغة بمتابة سنة مؤكدة لأي حكومة سابقة أو قادمة لغة لازمة لكل مسؤول سياسي يتحدث أمام كاميرات التلفزيون أو أمام الإعلام بجميع مكوناته .
إن ما يفند قول الوزراء أو السلطة التنفيدية , أن الشعب رغم أسفاره ورغم ابتسامته ورغم إحاطته بمهرجانات الرقص والغناء فإنه شعب يائس محبط يعيش على صفيح ساخن وأن الشارع المغربي يعيش التناقضات والتدبير الحكومي , فما الإحتجاجات اليومية والمسيرات والإضرابات إلا سخط واستياء من تدبير أعرج وتعطيل مقصود للتنمية الإقتصادية والحقوقية علما أن جل مشاريع القوانين التي تقدمت بها الحكومة لم تكن إلا حصيلة لقوانين زجرية وضريبية للتحكم في رقاب المواطنين وإلزامهم البيوت والصمت ولا يسمح إلا بالتصفيق والتطبيل .
فالدخول السياسي مرتبط بالأحزاب سواء في اليمين أو اليسار أو الوسط , فأين تتموقع هذه المؤسسات وهي فاقد لثقة الجمهور فلا تمثل إلا 15 % من الشعب المغربي داخل البرلمان خاصة من المنخرطين والمنتسبين ومن يطلق على تسميتهم بالمناضلين , فمن يمثل باقي الأمة في مجلس الشعب ؟ وأي مقاربة هذه تضفي التوازن وتجسيد الديمقراطية والشعب بدون من يمثله داخل الغرفتين ؟
فماذا يحمل الدخول السياسي المرتقب والشعب في خصام دائم مع أحزاب غير قادرة على إنتاج نخب سياسية مؤطَّرة ومؤطِّرة خدومة محنكة عالية الأخلاق تقول ” لا ” في الوقت المناسب كما تقول ” نعم ” في الوقت المناسب دون محابات ودون مطامع وإكراميات (…)
الدخول السياسي الجديد نجاحه يبدأ بإقناع المواطن بمبادرات التصالح على أرض الواقع , إنطلاقا من محاكمة وجوه الفساد , وتشبيب مناصب المسؤولية بوجوه جديدة وإبعاد الأسماء الفاشلة التي تسندها المحسوبية والتقليص من عدد الأحزاب التي أصبحت مصالح لكتابة التقارير نيابة عن أعوان السلطة … حيث يغيب التأطير السياسي ويحضر الولاء السياسي وتتبخر فروض العمل السياسي بتعيين نخب مخدومة فتضيع الأمة .
الدخول السياسي الجديد مرتبط برؤيا قضايا ومطالب الجمهور , يستوجب تنزيل الفصول الدستورية وتكريس الحكامة الجيدة ليس في الخطاب الشفوي المعتاد على لسان الحكومات فلا ينفع اليوم شعار ” كم من أمور قضيناها بتركها ” لكون الشعب لن يقبل على نفسه المزيد من الضغط والإكراهات فحين تنعم قلة قليلة بالثروة وتستقوي فئة على الناس ويتحكم البعض في الرقاب ويسمح لجهات أن تكون فوق القانون .
فاصل ونواصل
حسن أبوعقيل .