إذا كان حملة القلم من صحفيين خاصة لهم رسالة في هذه الحياة , فالأجدر أن يتحلوا بالأخلاق قبل حمل المداد وإسالته على صفحات طاهرة ناصعة البياض , فلمَ يلجأ البعض إلى المغامرة بمداد الكيل والتضليل ؟ ولمَ تستخدم الحدث للإثارة والمضمون مقلوب ؟ ولمَ تذهب بعض المنابر لاستخدام النقل واللصق والنشر دون عناء ؟
نتفهم أن بعض الأقلام لا تفقه بأن الشرطي يمثل الإدارة العامة في تطبيقه للقانون لكن عند اجتهاداته الفردية وانزلاقاته فهو مسؤول عنها بمفرده والإدارة بريئة من فعله والجمهور لايرى للإدارة العامة بعين دونية بل يشير بأصبع الإتهام للشرطي دون غيره .
فكيف تسمح بعض الأقلام لنفسها من تحرير مقالات خاطئة مضللة للواقع ولمجريات الأمور و الدفاع عن سيناريو مغلوط تحاول به إقناع الرأي العام .
مشكلتنا أن الصحافة اليوم ليست في حاجة لميثاق أخلاقي مهني , بل في أمس الحاجة لأخلاق شخصية قبل مزاولة المهنة , فالأمور خرجت عن نطاقها وأصبح كل من يحمل بطاقة مهنية ينصب نفسه سلطة رابعة فتختلط بداخله المفاهيم ويعتقد أنه فوق المساءلة القانونية أمام أخطاء أو تغليط مقصود أو أخبار زائفة كاذبة (…) البطاقة المهنية لم تصنع الصحفي بل إنتاجه الفكري ورسالته الإعلامية هي التي صنعت منه صفته المهنية فكثير ممن يحملون البطاقة لاعلاقة لهم بالصحافة فهم مجرد منخرطون في هيئة حسب الوثائق المطلوبة وشروط الإنتساب .
نعرف جيشا من الصحفيين المهنيين الذين نكن لهم التقدير والإحترام ونعتبرمن بينهم أستاذتنا الذين تعلمنا على أيديهم , فنعم الأخلاق ونعم السلوك الشخصي وقمة الكتابة الصحفية منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر أطال الله في عمرهم جميعا .
إليكم رواية الشرطي وكيف نقلتها بعض الصحف بصيغة واحدة وكأن الأمر يتعلق بنسخة مصورة تم توزيعها :
اعتقلت المصالح الأمنية بمدينة مراكش، خلال الساعات الأولى من يومه الثلاثاء 20 غشت الجاري، بحي الملاح قاض بعدما قام بتوجيه صفعة قوية لضابط أمن أثناء مزاولته لعمله .وبحسب إفادات مصادر مطلعة، فإن القاضي المذكور صب جام غضبه على ضابط أمن مكلف بتنظيم حركة السير، بسبب حالة الازدحام التي شهدها حي الملاح، قبل أن يترجل من سيارته ويوجه صفعة قوية له أمام أنظار المارة.ذات المصادر أكدت على أن دورية مشتركة بين رجال الأمن والقوات المساعدة عملت على إعتقال القاضي، الذي يعمل بالمحكمة التجارية بالرباط، واقتياده نحو مخفر الشرطة لإنجاز محاضر قانونية في الموضوع في انتظار عرضه على العدالة في المنسوب إليه.واستنفر الحادث تضيف المصادر، السلطات الأمنية بمختلف تلاوينها التي حضرت لعين المكان، حيث جرى فتح تحقيق في ظروف وملابسات هذه الواقعة تحث إشراف النيابة العامة.
وهذه رواية أحد القضاة :
“تفاعلا مع قضية زميلنا الذي تعرض للاهانة والعنف والسب والشتم من طرف عناصر الشرطة التابعة لولاية أمن مراكش ، وعلى عكس المعلومات المغلوطة التي تداولتها مجموعة من المنابر الإعلامية الإلكترونية، وبعد التواصل المباشر مع زميلنا المحترم ومعاينة التقرير الطبي ، وكذا صور الجروح والكدمات التي تعرض إليها جراء تصفيده ورميه في سيارة الشرطة دون أي احترام للمساطر القانونية الجاري بها العمل فيما يتعلق بالامتياز القضائي ، ودون اي اعتبار كذلك لكرامته أو وضعه الاعتباري كمستشار بمحكمة الإستئناف الإدارية رغم تقديم نفسه وامام زوجته ورضيعهفالزميل المحترم لم يقترف اي جرم في حق شرطي المرور اللهم انه طلب منه إيقاف الطريق المكتضة بالسيارات على اعتبار أنه يتحكم في لوحة المرور قصد مساعدته في تسهيل عملية مرور عربة طفله ” بوسيت” التي كانت تتولى زوجته السير بها ، فما كان من هذا الشرطي الا ان قام بالتلفظ بعبارات تحقيرية اتبعها بالدوس على رجله فما كان من الأستاذ المحترم الا ان قام بدفعه من على رجله ، وقدم صفته للشرطي ، وما كان من هذا الأخير الا ان قام برمي قبعته وشرع في الصراخ مدعيا بأن قاضي قام بتعنيفه ، فما كان من المتجمهرين الا ان احاطوا بالاستاذ المحترم وحاولوا تعنيفه ، بعدها حضرت عناصر الشرطة وقاموا بتعنيف الأستاذ المحترم والتنكيل به وتصفيده ورميه في سيارة الشرطة واقتياده للدائرة المداومة ، انذاك حضر السيد نائب الوكيل العام بمقر الدائرة الأمنية وتم حمل الأستاذ في سيارة الاسعاف لاحدى المصحات …
من جهة أخرى أصدر نادي قضاة المغرب بلاغا بخصوص الحادث هذا نصه :
بناء على القانون الأساسي لنادي قضاة المغرب، وبعد علمه بواقعة تعرض مستشار يعمل بالمحكمة الإدارية بالرباط للتوقيف من طرف بعض عناصر شرطة مدينة مراكش، إثر خلاف عرضي مع شرطي في الشارع العام، وما صاحب ذلك من تسريب إعلامي متحيز لرواية الشرطي المذكور في ظرف قياسي.
ومراعاة لكافة المعطيات المتعلقة بالواقعة، والتي تم استجماعها بناء على ما تم تداوله ببعض وسائل الإعلام، والتواصل المباشر، فضلا عن الصور الفوطوغرافية للمعني بالأمر، والشهادة الطبية الممنوحة له، وكذا ما تم توثيقه بوسائل تكنولوجية حديثة.
فقد عقد المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب، يومه 26 غشت 2019، اجتماعا طارئا لتدارس تداعيات ذلك على سمعة وهيبة مؤسسات الدولة، والتداول بشأنها، مما تقرر معه إعلان ما يلي:
1- يسجل، وباندهاش كبير، الخرق المفترض لقواعد الاختصاص الاستثنائي المسطرية المنصوص عليها في المادة 266 من قانون المسطرة الجنائية، والتي تجعل من الغرفة الجنائية بمحكمة النقض، وبصفة حصرية، هي المختصة في تحديد ما إذا كان الفعل المفترض ارتكابه من قبل مستشار بمحكمة استئناف يقتضي بحثا أو لا، وفي حالة الإيجاب، تعين -أي ذات الغرفة- محكمة استئناف أخرى غير تلك التي يزاول المستشار المعني عمله بها، لينتدب، بعد ذلك، رئيسها الأول قاضيا للتحقيق أو مستشارا من قضاتها لإجراء بحث في الفعل المشار إليه، مما يكون معه إنجاز أي إجراء من إجراءات البحث، بما في ذلك عملية الاعتقال والتصفيد، خارج هذه المسطرة، ومن طرف الشرطة تلقائيا، مخالفا للشرعية الجنائية الإجرائية، ومن شأنه أن يوصف توصيفا جنائيا يخضع لمقتضيات القانون الجنائي.
2- يدعو النيابة العامة المختصة إلى الاضطلاع بمسؤولياتها الدستورية والقانونية، وذلك إلى فتح بحث حول الخرق المذكور، والتثبت من عناصره ومن كل المساهمين والمشاركين فيه، مع ترتيب الأثر القانوني على ذلك بما يحقق التطبيق السليم للقانون، والانتصار إلى قيم العدل والإنصاف.
3- كما يسجل، وباستغراب شديد، الترويج الإعلامي لرواية و ادعاءات جهة واحدة، وذلك بهدف تأليب الرأي العام ضد السلطة القضائية، وزعزعة الثقة فيها، والمساس بسمعتها، مما يحتمل معه كون الأمر يتعلق بخرق لسرية البحث، المكفولة قانونا بمقتضى المادة 15 من قانون المسطرة الجنائية، خصوصا وأن التسريب المذكور قد تم بأقل من نصف ساعة عن الحادثة، وقبل حضور السيد الوكيل العام إلى مقر الدائرة الأمنية. ونتيجة لذلك، يدعو نفس النيابة العامة إلى فتح بحث لتبين ظروف وملابسات ذلك، ثم ترتيب الأثر القانوني الواجب التطبيق.
4- يؤكد نادي قضاة المغرب، أن ما وقع لا يعدو أن يكون سوى حدثا معزولا وشاذا عن حسن الروابط والأواصر التي تجمع السلطة القضائية بمساعديها من رجال ونساء الشرطة قاطبة، والقائمتين على الاحترام والتقدير المتبادلين وفق ما تنتظمه قواعد المسطرة الجنائية، وكذا مختلف الأعراف والتقاليد المؤطرة لعمل كل واحد منهما تجاه الآخر.
المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب .
الأمر اليوم بيد الجهات المعنية ننتظر الجواب الصحيح بدلا أن نستبق الأمور والخروج عن القواعد الملزمة .
فاصل ونواصل
حسن أبوعقيل .