تكتبها : منة عواد رفيع
قبل سنتين بالرباط وبالتحديد بشارع الحسن الثاني (ديور الجامع) قرب قيسارية باها .. ذاك اليوم توجهت للقيسارية لشراء بعض الأغراض فوجدتها مغلقة وكان لابد ان انتظر ساعة على موعد فتح ابوابها (انا الآتية من امريكا نسيت ان جل الدكاكين تغلق ابوابها لفترة الغذاء) فضلت الا اعود للبيت . فضلت ان امشي قليلا اتجاه باب الأحد وشارع محمد الخامس للاطلاع على احوال البلد فإذا بي وقفت جنب بنك هناك أمامه بائعون يفرشون امتعتهم الارض. اتجهت الى حائط البنك ووقفت انظر الى ما يبيعونه . فإذا بشاب يجلس على كرسي يقول لي: “خدي الآلة هاد الكرسي الو بغيتي تجلسي” وكان يشير الى كرسي فارغ جنبه. كان هذا الشاب يبيع اقلام مداد وأغلفة بلاستيك للبطاقة الوطنية و علب كلينيكس. قلت له: بسم الله وجلست على الكرسي المجاور له. انها فرصتي ان اساله عن أحواله وكيف يعيش بهذا العرض البسيط لسلعه… سالته ما اسمه؟ قال : رشيد تحدث رشيد طويلا عن معاناته وعن ضيق الرزق ثم قال ان “المردة” عندما ياتون لابد ان نجمع كل أغراضنا لحين ان يذهبوا ثم نعود من جديد نفترش الارض. قال نحن نعطيهم مبلغا رمزيا لكي لا ياخذوا سلعتنا الا انا انهم يراعوني لأني “معوق” أوقفتني كلمة “معوق” قلت له رشيد متقولش انت معوق ، قل انت من ذوي الحاجات الخاصة” التفت الي رشيد الذي كان ينظر طول الوقت لسلعته وهو يحدثني.. التفت الي وقال: “لالة انت قارية؟”. قلت له “شوية ا رشيد ولكن أين إعاقتك اني لا ارى شيءا.” وقف امامي وقال هذه إعاقتي … إعاقته في رجليه لم ألاحظها وهو جالس على الكرسي العادي جنب الحائط. تحدثنا طويلا طويلا .. شاب اصله من الجديدة أتى للدراسة الجامعية بكلية الآداب وعند تخرجه وعدوه مع ٣٠ خريجين من ذوي الحاجات الخاصة بالمغرب بتوفير عمل لهم بعد تقديم الأوراق. قال الوظائف وفرت لنا ولكنها بيعت وأعطيت للغير. قلت له لابد ان ترفعوا شكاية للوزير قال رفعنا الشكاية. واتصلنا برئيس الحكومة (بنكيران آنذاك) ثم ذهبنا ١٠ منا من خريجي الرباط الى بيته استقبلنا بالشاي والحلويات ولكن طلبنا لم ينظر فيه. قلت له اكتب لي اسمك بالكامل وايميلك سنتواصل ان شاء الله. نظر رشيد الى هذه السيدة الجالسة جنبه بنظارتها البنية والتي لم نقلعها طول الوقت ، هته السيدة التي قدم لها قليل من الفواكه لتآكل منها فقالت شكرا هذا غذاؤك بالصحة والراحة.. هته السيدة التي تلبس جلبابا عاديا جدا وحذاء لا كعب به ولا تحمل حقيبة باليد… وتجلس جنبه على كرسي من بلاستيك لا ظهر له… لم يسألها من تكن ولا أين تسكن. ولماذا جلست تحدثه وكأنه صديق قديم بالجامعة او ابن جيران تطمين على حاله. بكل بساطة حكى لها قصته من ايّام دراسته لحين تخرجه لحين معاناته بين مكاتب الوزارات ولحين غذابه اليومي بين شوارع الرباط بحثا عن الرزق. هته السيدة التي ودعته بعد ان اشترت منه كل أقلامه وكل اوراقه ثم انصرفت دون ان تاخذ منها سوى علبة كلينيكس واحدة ، تركت كل السلعة فوق بطانيته الخضراء اللون. عند عودتي لواشنطن تواصلت مع رشيد بالايميل وبعث لي جميع وثائقه وتواصلت مع صديق حميم يقطن بامريكا لنساعد رشيد لعلنا نوصل قضيته لبعض المناصب العليا في الدولة طمعا في سماع صوته وصوت ذو ي الحاجات الخاصة الذين تنزع حقوقهم منهم نزعا وتوزع بالمجان او بالمقابل للغير .. تذكرت هذه الأيام رشيد وان كان في الواقع لم يبرح مخيلتي.. لا زالت صورته امامي وكرمه وسخاءه في القول والفعل… وجلوسه طول اليوم من اجل دريهمات لا تسمن ولا تغني. تذكرته عندما سمعت خبر الرجل ” الأعمى” الذي لقي حتفه هذا الأسبوع وهو يرفع صوته لعل احدا يسمعه. الاهي رحمتك بمن ضعف تحت قهر كل من استغل النفوذ وأصبح جبروت عصره.
Chat Conversation End