تكتبها : ابتسام الهداجي
مدينتي التي تقف شامخة منهَكة من تقلبات سكانها ونوبات الزمن، حكت لي في صمت عن زمنها الجميل الذي ليس له بداية ولا نهاية؛ جذور اسمها المشتق من المصب أو المنار مغارة إيغود حيث يرقد أقدم إنسان في العالم ورباط الشيخ محمد أبي صالح، الذي أمّن حجاج البيت الحرام ونصَر الإسلام من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، تنتشر الرباطات والأضرحة؛ ترقد بسلام؛ تحمي أسفي وكأنها الحصن المنيع..
وكم يحلو الطجين العبدي في أواني الفخار! منذ عهد العمليوغيره من رواد الصناعة التقليدية اليدوية العريقة التي تزين البيوت المسفيوية.
ولا ننسى فوسفاط مدينتي أسفي الذي يُصدر للعالم كله، وكذلك ثروته السمكية، فمهما قلت ووصفت فلن أستطيع تعداد خيرات مدينتي التي تطل على المحيط، ترسو فوقه تستشرف العالم الآخر تترك له مغيب شمسها ومشرقها، هناك نحو الأفق.
مدينتي نجبت مسفويات ومسفويين بهروا العالم بمهاراتهم وثقافتهم من فن العيش وفن العشق لمدينة أعطتهم الكثير وأسعدتهم بشمسها ببحرها، بلحظة ترسم السعادة على رمال شطآنها الجميلة بدءً بالصويرية القديمة، مرورا بالبلاية ورأس الأفعى ولالة فاطنة والبدوزة، كل منها تحكي حكايات، رواها الأجداد للأحفاد وتناقلتها البيوت والخيام والقصور..
في هذه المدينة حيث وُلدت تغمرها العجائب والمحكيات تنسج الماضي بالحاضر، فتحكي عن سيدي بوذهب وسيدي دانيال وولاد بن زميرو، حيث التقى التسامح والتعايش لتجتمع الديانات والثقافات، وتندمج في قالب مسفيوي واحد يغني لحنا يطربه وتر واحد.
تلك معشوقتي أسفي، بمينائها يحكي عن ملح البارود عن شموعها الزكية وعن أسماكها اللذيذة، وعن رحابها الواسعة من شياظمة وحمر وعبدة تمازجت كلها بمشاربها فأعطت المسفيوي القح والحر.
فلا عجب أن يطمع فيها البرتغال فحاصروها بأسوارها العالية، فبنوا قصر البحر الذي يشهد على إبائها، رغم ما حصل له للأسف، فأبت أن تبقى حرة.
مدينتي جميلة أنت، بكل ما تحتضينه من تاريخ، تحكيه الكنيسة البرتغالية والمتحف الوطني ودار السلطان، والمسجد الأعظم، وقصبة دار سي عيسى التي طالها الإهمال والنسيان للأسف أقولها ثانية، التي تحكي عن ملحمته مع “خربوشة” الشاعرة والثائرة، جسّدتها بأغاني العيطة التي وصلت الآفاق، فذاع صيت المرأة المسفيوية رمز الشموخ ورفض الظلم والقهر.
مدينتي أحييك إلى ما لانهاية، فطوبى لمن أسْكنها قلبه وعَشِقَها إلى الأبد.