عندما تنجلي المدرسة السياسية  :

الواقع الضنك للسياسة في المغرب , جعل كل من هب ودب يركب قطار  الدرجة الرابعة خطئا ,  معتقدا أنه يحمي نفسه بالإنتماء و باللون السياسي مادام ليس له سند يقويه في غياب تطبيق القانون وجور بعض المسؤولين المتجدرين داخل دواليب الدولة  الذين يأمرون وينهون باسم السلطات العليا فندها  القصر على لسان الملك في خطاباته الأخيرة وكانت ضربة قاضية لكل من سولت له نفسه أن يختبئ وراء إسم الملك أو يقحم المسؤولين في كل برامجه  الفاشلة  (…)
الواقع  لا يمكن إخفاءه بأي شكل من الأشكال لكون العالم تغير وأن المواطن المغربي اندمج في التغيير والتصحيح وانخرط في  عالم التكنلوجيا الحديثة   وأصبح على علم بما يجري ويدور ويتابع الأحداث والأخبار ويميز بين الأحزاب المغربية ويعلم بدقة كيف تمر الإنتخابات ويفقه جيدا أركان بناية البرلمان  بغرفتيه  ويمكنه أن يتحلى بسبق في تشكيل الحكومة  ويتقوى  من خلال مواقع التواصل الإجتماعي  وأصبح  قوة  للردع والكشف عن مواطن الخلل وهذا ما لم تستوعبه أحزاب اليوم  ولا قياداتها الجديدة  التي لها رغبة في التحكم والإستفراد بالملك –  ليس حبا – لكن  لنيل العطف والرضى  وضمان منصب  يوفر له الحماية الكافية من المتابعة  الزجرية  أمام  عقوبات أقصاها الإعفاء .
رحيل الزعماء السياسيين بموتهم واستقالاتهم من السياسة نهائيا ,  جعل الكثير  من الأشخاص  يبنون ثروة  لا يهم من أين , وينسج علاقات مع وجوه  داخل المكتب السياسي القديم  بحكم علاقاتهم على مستوى أجهزة الدولة  لتسهيل كل المأموريات  بما فيها تزكية رجل المرحلة  وتنصيبه على كرسي الأمانة العامة تحت غطاء الديمقراطية  من خلال الإنتخابات  كواجهة  شرعية  وقطع الطريق على كل من  يقول  كلمة ” لا ” .
تجارب كثيرة في هذا الإتجاه كان أصحابها رواد لإقامة  حفلات عشاء ودعوة  الوجوه  البارزة سياسيا  برفقة ما يسمى بالهياكل التنظيمية للحزب التي لا تجرؤ التحدث أمام هذه الشخصيات  لكونها  – أعضاء الهياكل – متشبعة بالخنوع  لحماسها الوصولي لمناصب  داخل المكتب السياسي  الآمر والناهي والمحظوظ ماليا من دعم الدولة الذي لم يكن يخضع للمحاسبة مما جعل كثيرهم  يغتني  ويمتلك عمارات ومزارع وفيلات  وضيعات وشركات في أسماء الأبناء والزوجات ومنهم من استفاد باسم  ” خدام الدولة ”   فحين المناضل يعيش الفقر ويُسخر لرفع الشعارات ويُستخدم  ورقة للتصويت يوم الإقتراع  .
صاحب المرحلة يستخدم بماله إدارة لها تجربة لاستقطاب  الأعضاء وجعله في الصورة على أساس أنه الأمين العام , طبعا الرجل لا يبخل بالإبتسامة والخطاب الوردي والوعود  وحتى المال  أمام فقر المجلس الوطني او برلمان الحزب  فالجميع في أمس الحاجة للأوراق البنكية  وللتقرب من أعضاء الأمانة العامة  ولو اقتضى الأمر التمسح بهم كما يتمسح المريد بسيده أو بضريح  شيخه (…)
صاحب المرحلة  لا يعرف تاريخ الحزب السياسي الذي يترأسه  , ولا يعرف أسماء الأحزاب الند التي تواجهه – شكليا ورمزيا –  في الساحة  لكنه مستعد أن يحفظ فقرة تكرر في كل الخطابات  ” نحن حزب وطني قدم الكثير  وناضل من أجل الديمقراطية والحداثة  ومن أجل توفير كرامة الإنسان مستعدون بالتضحية بالغالي والنفيس  شعارنا الله الوطن الملك ”  .
صاحب المرحلة بعد فوزه كأمين عام  يصبح  الرئيس المدير العام  وكأنه يمتلك شركة  خاصة  يرى في المناضلين يد عاملة  لكن لا تتقاضى أجرتها اعتبارا أنها فئة متطوعة ومناضلة  سيغرقها بالشعارات والكلام المعسول كما يجري في كل المؤتمرات  لبعض الأحزاب  وهو على علم بأن المناضل الذي يحضر اللقاءات  والأنشطة يعيش القهر والديون  أملا في غد مشرق  .
الحال على ما عليه  أثبت أن القيادات الحالية ليست في مستوى تدبير الشأن السياسي  ولا في مستوى تأطير المواطنين لكون  كثير من هذه الأحزاب ملزمة بتأطير نفسها  وإعادة البناء  الصحيح بأفراد كفأة  تتحلى بالروح الوطنية  وتتمتع بالغيرة وحب خدمة العباد والبلاد  بدلا من النفخة والبرمجة العشوائية وربطة العنق  والسيكار .
فاصل ونواصل
حسن أبوعقيل – صحفي