عبد الهادي مزراري
سارعت بعض وسائل الإعلام التابعة للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بتوجيه رسائل إلى المغرب في موضوع قضية وحدته الترابية، ملمحة إلى إمكانية قلب الطاولة على المغرب بسبب الموقف الذي اتخذه من الخلاف بين الرياض وأبو ظبي والمنامة والقاهرة من جهة والدوحة من جهة ثانية.
وسواء تعلق الأمر بالحلقة التي بتثها قناة الحدث التباعة للعربية السعودية حول نزاع الصحراء المغربية، جاعلة من جبهة البوليساريو صاحب حق، أو للوصلات التي تبثها قناة أبو ظبي دون إدراج خارطة المملكة المغربية كاملة من البوغاز إلى الصحراء، فإن رسالة الرياض أبو ظبي وصلت إلى المغرب، لكن ما يجب الوقوف عنده، هو البداية بطرح هذا السؤال؟
هل أساء المغرب للسعودية أو الإمارات عندما قرر الوقوف في منتص الطريق بين قطر وجيرانها الخليجيين؟
الجواب بالنسبة للسعودية والإمارات ومن معهما هو أنه كان على المغرب أن يكون إلى صفهما وليس في منطقة الوسط، كان عليه برأيهما أن يكون منحازا إلى موقفهما حتى ولو كان السعوديون والإمارتيون ومن يطمع في أموالهم على خطأ.
للرد على الرياض وأبو ظبي، أنه لا أحد يجادل في قوة العلاقات بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي، ولا داعي لنعدد المبادرات التي قام بها المغرب سياسيا وأمنيا باتجاه دول الخليج، منذ أن كانت مهددة من قبل الهجمة القومية العربية التي شنتها مصر في الستينيات من القرن الماضي ضد حكام الرياض بقيادة جمال عبد الناصر. كما لا داعي للتذكير بالوقفة الصامدة التي وقفها المغرب على عهد الملك الحسن الثاني ضد إيران على عهد الخميني في بداية الثمانينيات من القرن الماضي لفائدة دول الخليج العربي. ولا داعي أيضا التذكير بموقف المغرب من الغزو العراقي للكويت في بداية التسعينيات من القرن الماضي، حيث قررت الرباط الوقوف ضد صدام حسين رغم ما كان للعراق من علاقات قوية مع المغرب. ولا داعي أيضا للتذكير بالموقف الذي اتخذه المغرب ضد إيران عندما ترامب على الجزر الإماراتية الثلاث طمب الصغرى وطمب الكبرى وأبو موسى. ولا داعي كذلك للتذكير بموقف المغرب من التهجم الإيراني على دولة البحرين عندما أشار مسؤول إيراني بتبعية البحرين إلى جغرافيا إيران، فقطعت الرباط علاقاتها مع طهران وكانت أول من تصدى للنظام الإيراني بقرارات سياسية واضحة.
في المقابل لا ننسى أيضا الدعم الذي قدمته السعودية والإمارات إلى المغرب في مجالات ومواقف كثيرة، وعملا بقاعدة “ليس بين الخيرين خير”، إلا أنه كان على الرياض وأبو ظبي أو أي عاصمة عربية أو إسلامية أن تطرح السؤال التالي “لماذا قرر المغرب الوقوف في خط الوسط بين قطر وجيرانها الخليجيين؟”.
إن المغرب أول من عانى من سياسة قطر بسبب مواقفها الملتبسة في قضية وحدته الترابية، فضلا عن الضربات التي كانت تسددها الدوحة للمغرب انطلاقا من قناة الجزيرة طيلة العقد الماضي، وكان عليه وفق منطق تصفية الحسابات أن ينضم بعينيه المغمضتين إلى التحالف الخليجي ضدها، لكنه لم يفعل، لأنه لم يرد أن يغمض عينيه، ولأنه يريد أن يرى جيدا ما يحدث حوله وللعالم العربي وللمنطقة بأسرها.
المغرب انطلق من السؤال البديهي، “لمصلحة من يفرض الحصار العربي الإسلامي على قطر؟”، هل للمغرب مصالح مع قطر؟ طبعا للمغرب مصالح مع السعودية والإمارات العربية بحجم يفوق مصالحه مع قطر، لكن المغرب بصر وفكر وقدر، وانطلاقا مما يراه ضربة قوية قاسمة لدول الخليج لتفتيتها في هذه الأزمة قرر أن يمسك الحبل من الوسط ويجر الطرفين إلى نقطة التفاهم.
ما فعله المغرب هو إدراك منه أن قطر لن تنتهي إلى الباب المسدود بمجرد فرض حصار عليها وأنها لن تستسلم لأن هناك من سيحتضنها إذا خرجت من بيت الطاعة الخليجي، وأول من يتربص بها هي إيران، التي سارعت إلى فتح أجواءها ومياهها الإقليمية لفائدة قطر.
على المسؤولين في الرياض وأبو ظبي وفي كل العواصم التي وقفت ضد قطر أن تستوعب الدرس مما فعلته بالعراق، فبعد حصاره وضربه وتشريده أصبح اليوم في حكم السيطرة الإيرانية تباعا لطهران، وهو ما يخلق حالة الانهيار في المنطقة والعالم ولعل السعودية هي أول متضرر من وضعية إلحاق العراق بإيران.
على المسؤولين في الرياض وأبو ظبي وفي كل العواصم التي وقفت ضد قطر أن تعي جيدا بأن هناك من يدفع إلى تزيق الصف الخليجي، وأن قطر هي مجرد الشق الصغير الذي جرى إدخال رأس السكين فيه لسلخ باقي الجسد.
على المسؤولين في الرياض وأبو ظبي وفي كل العواصم التي وقفت ضد قطر أن تقدر موقف المغرب بصفته صاحب يد بيضاء ورؤية متبصرة لما يجري في العالم العربي المنهار، وبدل أن تشن عليه حربا إعلامية من زاوية قضية وحدته الترابية بتوجيه رسائل استفزازية من اليمين أو اليسار عليها أن تفكر بأن المغرب يسعى لنزع السكين من الجرح وتضميده بأقل الخسائر الممكنة، أما المغرب فهو دولة قائمة الذات في مكانها منذ ما يزيد عن 1200 سنة.