على هامش الفصل 113 من الدستور

القاضي المنتخب العضو المجلس الأعلى للسلطة القضائية و سؤال الثقافة العامة؟تنظم مباريات أو امتحانات … وقد تتضمن سؤالا يوجه إلى المرشحين يدور موضوعه حول الثقافة العامة ، وهو سؤال بسيط يتناول قضايااقتصادية واجتماعية وسياسة ودولية … الخ ، يمكن من خلال الجواب عليه التأكد بسرعة من مدى عمق أو سطحية تكوين المرشحبعض القضاة كان لهم – وربما لازال – تحفظ حول مناقشة قضايا سياسية خوفا من إلصاق تهمة ممارسة السياسة مع أنهم ليسوا بحزبيين ولايملكون بطاقة الانتماء إلى حزب معين ، حتى أن مديرا سابقا للمعهد القضائي أوصى القضاة بالتسيس دون السقوط في فخ التحزب ، و أنــــا أرى بأنه محق فيما قال على طول الخط بل … ” ليس على طول الخط أو بس ، بل على عرض كمان ” … كما قال المغفور له الحسنالثاني ذات مرةومما زاد الطين بلة أن البعض الصق بالقضاة تهمة ممارسة نشاط سياسي حتى بمناسبة مناقشة نص قانوني معين ، و اعتبر أن نقد القانون هوتبخيس لعمل حكومي ، ومن تم هو احتراف للسياسة ، والقصة معروفة بمآلها التراجيدي ، الشيء الذي ابعد القضاة عن الخوض في قضايا “الثقافة العامة ” توخيا للسلامة حتى (( يخرج الله سربيسهم على خير )) ، كان هذا قبل تنزيل دستور 2011 قضائيا ، وقبل صدور ظهير 24مارس 2016 المنظم للمجلس الأعلى للسلطة القضائية .

لكن اليوم ، و بعد أن أصبح المجلس الأعلى للسلطة القضائية – وبنص من الدستور – مخترقا إيجابيا من طرف أعضاء ليست لهم صفةالقضاة ولكنهم متضلعين في موضوع ” الثقافة العامة ” بحكم الوظائف أو المهن او المسؤوليات التي يمارسونها (( وسيط ، حقوق إنسان ، مجلسعلمي ، عمل جمعوي ، أستاذية في الجامعات ربما … الخ ، )) ، لا ادري كيف سيجيب بعض القضاة الذين سيتم انتخابهم كأعضاء بالمجلس الأعلىللسلطة القضائية على سؤال ” الثقافة العامة ” لما يطرح عليهم في جمعية عمومية لهذا المجلس ؟ فهل سيعتذر هؤلاء القضاة عن الجواب بعدمالاختصاص النوعي ؟ بدعوى انه ممنوع عليهم ممارسة السياسية ، والحال أن كل النصوص المنظمة للسلطة القضائية دستوريا لها نكهة سياسيةخالصة بشكل أو آخر ومن يجادل فليقرأ مليا وجيدا الفصل 113 من الدستور وليتأمل في مضامينه ، وهو ينـص على أنــــه :(( يسهر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولاسيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهموتأديبهم.

يضع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بمبادرة منه، تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، ويُصدر التوصيات الملائمة بشأنها.

يُصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان، آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بالعدالة مع مراعاة مبدأ فصلالسلط. ))

تحفظ القضاة أو ابتعادهم طوعا او كرها عن مناقش قضايا الثقافة العامة و امتناعهم من القيام بالنقد البناء أو حتى مجرد التعليق على الأحكامالقضائية خلقت فصيلا ” جد محايد ” يركز اغلب نشاطه على الملفات ، والجلسات ، والمداولات ، و من الدار إلى المحكمة ، ومن المحكمة إلىوالدار ، وفي أحسن الأحوال يتابع بعض الفضائيات أو مشاهدة مباريات كرة القدم ، وهذا ليس عيبا ، بل هو ما يتعين القيام به من طرف كل قاضصالح .

ولكن اليوم إذا طرح للنقاش سؤال حول ” الثقافة العامة ” كيف سيشارك في الجواب عليه القاضي المنتخب العضو المجلس الأعلى للسلطةالقضائية … ؟

الثقافة العامة ليست سياسة … والسياسة لا يحترفها إلا من يضع في جيبه بطاقة الانخراط في حزب معين أو في نقابة ، والقاضي لا يجوز لهحيازة مثل هذه البطائق ، ولكن يجوز له مناقشة موضوع الثقافة العامة لأنها موضوع ” حلال ” وبضوء اخضر من الفصل 113 من الدستور …فهو اكبر ضمانة للقاضي و استقلاله سواء كان ناخبا أو منتخبا

***

و لهذا نعتقد ختاما انه ربما ابتداء من مطلع سنة 2017 سنرى أن شاء الله سقوط احد الطابـــوهات ألا وهو عزوف القضاة – ولاسيما القضاة المنتخبون الأعضاء بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية – عن الخوض في مواضيع ” الثقافة العامة ” إما تلقائيا وبرضى منهم ، أو استجابة منهم لمتطلبات الفصل 113 من الدستور المشار إليه أعلاه التي يتعين مجابهتها و مواجهتها والتعامل معها ، ولا سبيل ولا حيلة للتهرب منها ، وكل شيء مباح وجائز وغير محرم طالما انه يمارس في دائرة القانون والمشروعية و أخلاقيات المهنة ، فأطلقوا يا ناس في أسرة القضاء … العنان لأفكاركم ، و خيالكم ، واجتهاداتكم ، فما أحوج ” الوقت ” والبلاد والعباد إليها .