الاستاذ حكيم الوردي يشرح حيثيات تضامن جميع الجمعيات المهنية مع قضية قضاة الراي

ائتلاف الصادقين
لم تفلح المتابعة التأديبية لقضاة الرأي في تحقيق أي من الأهداف التي قد تكون خامرت من أفتى بتحريكها. لم تقمع رأيا ولم تخرس صوتا، وبدلا من أن تدخل الزميلين حماني والهيني في نفق الهواجس المقلقة من مآلات التأديب، أحالتهم إلى رموز حية ( في زمن عزت فيه البطولات) للدفاع عن قيم الحرية، والعدل، والاستقلالية في ملحمة غير مسبوقة في تاريخ القضاء المغربي الحديث.
لم تعد القضية أسيرة الزميلين، ولا لصيقة بجمعيتهم الفتية، بل باتت هم كل القضاة بمختلف مشاربهم العمرية وانتماءاتهم الجمعوية.
فقد التئم شمل ائتلاف الجمعيات المهنية مساء الخميس المنصرم بفندق امبريال بالدارالبيضاء، في ضيافة كريمة سهر على تفاصيلها زميلنا المستشار محمد رضوان رئيس المكتب الجهوي للودادية الحسنية للقضاة بالدارالبيضاء، وأتت حضورها الوازن : الأستاذ الفاضل عبد الحق العياسي رئيس الودادية، والقاضية المعطاءة المتوجة رشيدة أحفوظ رئيسة الجمعية المغربية للقضاة، والجمعوية المتمرسة الأستاذة عائشة الناصري رئيسة جمعية المرأة القاضية، وكان ضيف اللقاء ومحوره قضية الزميلين آمال حماني و محمد الهيني الذي حضر مصحوبا برئيس النادي الفقيه عبد اللطيف الشنتوف وعضو المجلس الوطني زميلنا الكرجي، فضلا عن الأساتذة: المستشارة المتمرسة الوريكي، والصادق مصطفى رزقي، والوديعة مريم الداودي.
كان اللقاء لحظة تاريخية فارقة عبر فيها أقطاب الجسم القضائي عن نضج كبير، وتناغم راشد، وفهم واضح ومستوعب لما يحاك ضد القضاة من مكائد في مرحلة انتقالية عصيبة، تقتضي المزيد من اليقظة لصيانة الحقوق والمكتسبات التي لا يتصور قضاء مستقل بدونها، وعلى رأسها حرية التعبير.
لقد أجمع الحضور على أن التضامن مع الزملاء لا تمليه وحدة الانتماء والمصير، ولكن وأساسا لكون القضية محور التأديب ترخي بظلالها القاتمة على مجموع قضاة المملكة لما استشعروه من قلق وحسرة على انفراد سلطة التأديب في البطش بالقضاة لمجرد آراء قد تتباين مواقفنا إزاءها ولكن لا يتصور أن تتحول وقودا لنيران التأديب.
لم يكتف ائتلاف الخير بتشريح المشهد القضائي بالوضوح والعقلانية المطلوبين، ولكن رسم خارطة طريق رصينة لتطويق آثار المتابعة التأديبية، وتبيان ثقوبها القانونية، و آثارها السيئة ليس على مسار الزميلين، ولكن وأساسا على مجموع القضاة الذين التبست لديهم الرؤية اتجاه نوايا الإصلاح الحقيقية، ولم تعد لهم الثقة في المغامرة بممارسة حقوقهم الدستورية مخافة سوقهم إلى مقاصل التأديب.
لقد أخرج ائتلاف الصادقين متابعة قضاة الرأي من خصوصية أسباب نزولها إلى عمومية آثارها الكارثية على القضاة، وعبر الرؤساء بصدق عن تضامنهم اللامشروط مع الزميلين، واستعدادهم لبدل جميع المساعي الحميدة الكفيلة بالدفاع عن قضاة الرأي وتوضيح ما التبس على مختلف الجهات المعنية بالمتابعة.
ولا شك أن وضع القضية قبل اجتماع الائتلاف ليس نفسه بعد لقاء البيضاء المبارك، فقد شق الدفاع عنها مساره الصحيح داخل الجسم القضائي بعدما احتضنت الجمعيات المهنية الزميلين، وأعلنت عن انخراط جماعي في حشد الدعم لها بعدما رصت جبهتها الداخلية استعدادا لمسار معقد يزاوج بين ما هو قانوني بإعداد الدفاع، والتفاوضي عبر تدشين حملة علاقات عامة لرفع اللبس عن التأويلات المجانية التي تريد شيطنة القضية.
ورب ضرة نافعة، فقد أظهر القضاة مرة أخرى أنهم إخوان في الشدائد، وأن اختلافاتهم الجمعوية لا يمكن أن تشكل مدخلا للاستفراد بعضو من أعضائهم، ….مؤمنون يصدق فيهم قول نبي الأمة… كالجسد الواحد إذا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.