وقفة مع مشروعي القانونين التنظيميين حول بعض المؤثرات القانونية لاستقلال فعلي وحقيقي للسلطة القضائية

بقلم : مصطفى العضراوي
إن المتفحص لفصول الدستور المغربي في الباب المتعلق بالسلطة القضائية يجد على أنه أسس لسلطة قضائية مستقلة عن باقي السلط من تشريعية و تنفيذية إستقلاﻻ مؤسساتيا و ماليا و إداريا و إستقلاﻻ فرديا للقاضي إبتداء من الفصل 107 إلى غاية الفصل 116 منه.لكن بالرجوع لمشروعي القانونين التنظيميين نجدهما قد أجهزا على هذا اﻹستقلال.ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه الجميع أن تأتي مواد المشروعين عاكسة لهذا التوجه الذي لطالما ركز عليه صاحب الجلالة حفظه الله في خطبه المتعددة و التي تمت ترجمتها و إرادة الشعب المغربي في دستوره الجديد نجد على أن مواد المشروعين سارت ضد التوجه العام و تكون بذلك قد عطلت فصول الدستور في هذا الباب.و هذا ما سنحاول إبرازه من خﻻل المحورين التاليين.

اﻷول سنتناول فيه بعض المؤثرات القانونية التي تمس استقلال السلطة القضائية من حيث كونها سلطة.
والثاني سنتناول فيه المؤثرات القانونية التي تمس استقلال القاضي أثناء ممارسته لمهامه القضائية
المحور اﻷول:المؤثرات القانونية التي تمس استقلال السلطة القضائية من حيث كونها سلطة
بالرجوع إلى الفصل 107 من الدستور نجده ينص على أن “السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية و عن السلطة التنفيذية.
الملك هو الضامن ﻹستقلال السلطة القضائية.” كما نص الفصل 113 منه على أنه “يسهر المجلس اﻷعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة و ﻻسيما فيما يخص إستقلالهم و تعيينهم و ترقيتهم و تقاعدهم و تأديبهم

يضع المجلس اﻷعلى للسلطة القضائية بمبادرة منه تقارير حول وضعية القضاء و منظومة العدالة و يصدر التوصيات المﻻئمة بشأنها

يصدر المجلس اﻷعلى للسلطة القضائية بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان أراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بالعدالة مع مراعاة مبدأ فصل السلط”. وينص الفصل 116 في فقرته الثانية على أنه”يتوفر المجلس اﻷعلى للسلطة القضائية على اﻹستقلال اﻹداري و المالي”.

Ad image

فبالرجوع إلى بعض مواد مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس اﻷعلى للسلطة القضائية نجده ينص في المادة 54 منه في فقرتها اﻷخيرة في إطار الهيئة المشتركة على أنه:”علاوة على ذلك يمكن للوزير المكلف بالعدل حضور إجتماعات المجلس من أجل تقديم بيانات و معلومات تتعلق باﻹدارة القضائية أو أي موضوع يتعلق بسير مرفق العدالة بطلب من المجلس أو الوزير.” كما تنص المادة 55 من نفس المشروع على أنه:”تؤهل الوزارة المكلفة بالعدل و الوزارة المكلفة بالمالية ﻹتخاذ جميع التدابير اﻹدارية و المالية اللازمة لتنفيذ مقررات المجلس المتعلقة بالوضعيات النظامية للقضاة بتعاون مع المصالح المختصة للمجلس”.و تنص المادة 64 على أنه”يتولى محاسب عمومي يلحق بالمجلس بقرار من السلطة الحكومية المكلفة بالمالية القيام باﻹختصاصات التي تخولها القوانين و اﻷنظمة للمحاسبين العموميين”.و كذلك المادة 72 في فقرتها اﻷخيرة تنص على أنه:”يراعي المجلس كذلك التقارير التي يعدها الوزير المكلف بالعدل حول مستوى أداء المسؤولين القضائيين بشأن اﻹشراف على التدبير و التسيير اﻹداري للمحاكم”.كما تنص المادة 108 في فقرتها الرابعة في إطار التقارير التي ترفع إلى البرلمان على أن الوزير يعد تقريرا هو اﻵخر فنصت على أنه:”-الوزير المكلف بالعدل حول سير و أداء اﻹدارة القضائية و حصيلة منجزاتها و برامج عملها و كذا وضعيات المهن القضائية”.
فمن خلال مواد هذا المشروع يتضح على أنه لم تعريف ما المقصود بالسلطة القضائية و إكتفى فقط بأنها تمارس من طرف القضاة الممارسين فعليا لمهامهم القضائية بالمحاكم التي يشملها التنظيم القضائي للمملكة حسب ما جاء في الفقرة الثانية من المادة الثانية منه.و بذلك يثار التساؤل حول ما المقصود بالسلطة القضائية؟هل المجلس اﻷعلى للسلطة القضائية أم شيئ آخر؟و من هنا يمكننا الجزم بأن المقصود بذلك ليس هو المجلس.و في نظرنا أن المقصود بها المحاكم و القضاة.أي الشأن القضائي و حقوق و واجبات القضاة.و أن المجلس هو أعلى هيئة مشرفة على السلطة القضائية إستنادا إلى الفصل 113 من الدستور.هذا المجلس الذي ﻻ يقتصر دوره على توفير الضمانات الممنوحة للقضاة فحسب بل يتعداه إلى وضع تقارير حول وضعية القضاء و منظومة العدالة و يصدر التوصيات المﻻئمة بشأنها حسب نص الدستور.و من هنا يطرح التساؤل كيف يمكن للمجلس أن يضطلع بهذا الدور إن لم يكن هو المشرف الفعلى على اﻹدارة القضائية من خلال المسؤولين القضائين و تتبع سير العمل بالمحاكم ﻻ من حيث العمل القضائي الصرف و ﻻ من حيث ظروف اﻹشتغال؟!!! و كيف لنا أن نبرر إبقاء اﻹدارة القضائية بيد السلطة الحكومية المكلفة بالعدل و تقييمه ﻷداء المسؤولين القضائيين مع صراحة الفصل 107من الدستور بإستقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية؟!!! و ما قيل عن اﻹدارة القضائية يقال عن حضور السيد وزير العدل إجتماعات المجلس اﻷعلى في إطار الهيئة المشتركة إما بطلب منه أو بطلب من المجلس و أيضا إعتباره هو المؤهل و الوزارة المكلفة بالمالية ﻹتخاذ جميع التدابير اﻹدارية و المالية اﻻزمة لتنفيد مقررات المجلس المتعلقة بالوضعيات النظامية للقضاة.فأين نحن من اﻹستقلال المالي للمجلس؟!!! كما أنه كيف يمكن التنصيص على أن الوكيل العام بالمجلس يعد تقريرا حول تنفيذ السياسة الجنائية و سير النيابة العامة أمام البرلمان؟!!! فكيف يمكن لسلطة أن تقدم تقريرا لسلطة مثلها أﻻ يشكل ذلك ضربا لمبدأ فصل السلط و توازنها و خرقا للفصل 160 من الدستور الذي حدد الهيئات المطالبة بتقديم تقارير عن أعمالها أمام البرلمان و ﻻ يوجد من ضمنها المجلس اﻷعلى للسلطة القضائية بإعتباره الممثل لهذه السلطة كسلطة مستقلة.و ينضاف إلى ما قيل تهريب المفتشية العامة من مشروع القانون هذا علما بأنها تعد إحدى مكونات المجلس اﻷعلى للسلطة القضائية و كان من المفروض التطرق لتأليفها و إختصاصاتها في هذا المشروع و ليس تخصيصها بقانون تنظيمي خاص بها.و هكذا يظهر جليا كيف أنه تم القفز على المكتسبات التي أتى بها دستور 2011 في هذا الجانب.
المحور الثاني:المؤثرات القانونية التي تمس استقلال القاضي أثناء ممارسته لمهامه القضائية
برجوعنا دائما إلى الدستور نجده ينص في الفصل 108 منه على أنه:”ﻻ يعزل قضاة اﻷحكام و ﻻ ينقلون إﻻ بمقتضى القانون.” كما ينص في فصله 109 على أنه:”يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء، و ﻻ يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أية أوامر أو تعليمات و ﻻ يخضع ﻷي ضغط.” و ينص الفصل 110 هو اﻵخر على أنه:”ﻻ يلزم قضاة اﻷحكام إﻻ بتطبيق القانون و ﻻ تصدر أحكام القضاء إﻻ على أساس التطبيق العادل للقانون.
يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون.كما يتعين عليهم اﻹلتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها.”

لكن بالرجوع إلى مشروع القانون اﻷساسي للقضاة نجده ينص في المادتين 54 و 55 المتعلقتين بتقييم أداء القضاة قد أوكله للمسؤولين القضائين باﻹعتماد على معايير شخصية و ليس موضوعية.كما أن المادة 73 منه خولت للرؤساء اﻷولين و الوكﻻء العامين سواء بمحاكم اﻹستئناف أو بمحكمة النقض أن ينتدبوا من بين القضاة الممارسين لمهامهم بدوائر نفوذهم القضائية قاضيا لسد الخصاص الطارئ بإحدى المحاكم التابعة لهذه الدوائر.و نجد كذلك المادة 97 منه التي أوردت مجموعة من الحاﻻت و إعتبرتها أخطاء جسيمة في خروج فاضح و واضح للنص الدستوري الذي ربط اﻷخطاء الجسيمة بكل إخﻻل من القاضي بواجب اﻹستقﻻل و التجرد أثناء ممارسته القضائية و لم يربطه بالخطأ في القانون سواء من حيث اﻹجراءات المسطرية أو قواعد الموضوع و التي تشكل أسبابا للطعن و التي تدخل ضمن إختصاص المحاكم اﻷعلى درجة و ليس من إختصاص الهيئة التأديبية.كما أنها تشكل بهذه الصياغة حدفا ضمنيا للمحاكم اﻷعلى درجة و توحي بكون القضاء على درجة واحدة،كما أنها تقتل روح اﻹجتهاد و تدفع إلى التطبيق الحرفي للنصوص و ليس البحث من خﻻل النص على التأويل الذي يحقق التطبيق العادل للنص القانوني خاصة و أن النوازل غير متناهية و النصوص محدودة و عن طريق اﻹجتهاد يتم سداد النقص الحاصل على مستوى النصوص .كما أن التوقيف الفوري للقاضي يشكل ضربا لقرينة البراءة هي اﻷصل،فتوقيفه إبتداء يشكل إدانة مسبقة له.ثم لماذا أقر الدستور في فصله 122 تحمل الدولة مسؤولية الخطأ القضائي بالنسبة لكل من تضرر منه إذا كنا سنحاسب القاضي عن خطئه في تطبيق القانون و غيرها من اﻹشكاليات التي أثارتها المادة 97.كما أن المادة 115 تبقي قضاة الدرجة الثالثة بعد دخول مشروع هذا القانون حيز التنفيذ خاضعين لنسق الترقي المنصوص عليه في ظهير 1974.كما تنص المادة 43 على وجوب إلتزام قضاة النيابة العامة باﻷوامر و المﻻحظات القانونية الصادرة عن رؤسائهم التسلسلين أي التعليمات الشفوية ضربا كذلك للنص الدستوري الذي قصر ذلك فقط على التعليمات الكتابية القانونية.

كما أن مشروع القانون التنظيمي للمجلس اﻷعلى للسلطة القضائية هو اﻵخر تضمن العديد من المواد الماسة باﻹستقﻻل الفردي للقاضي من قبيل الترقية المقرونة بالنقل التلقائي دون طلب من القاضي و غيرها من المواد المتفرقة هنا و هناك.

هكذا يتضح على أن مشروعي قانوني السلطة القضائية يزخران بالعديد من المواد التي تجهز على إستقﻻل الفردي للقاضي و تجعله يرزح تحت تأثير العديد من الميكنزمات و اﻵليات التي تواكب حياته القضائية.و ينضاف إلى ذلك التغييب الكامل للجمعية العمومية بالمحاكم و قصرها على المسؤول القضائي و بعض رؤساء الغرف و اﻹستعاضة عنها بالمكتب المسير بدل إشراك جميع القضاة في تدبير و تسيير هذا المرفق الحيوي الذي يشكل قاطرة قوية للتنمية و جلب اﻹستثمار و إشاعة الطمأنينة لدى كافة الفاعلين من خﻻل تقديم خدمة قضائية في المستوى المطلوب و بما يحقق الأمن القضائي للجميع.
فمن خﻻل كل ما سبق يتضح جليا على أن اﻹصﻻح الموعود قد أخلف الموعد مع التاريخ،فبدﻻ من أن ينكب على إيجاد حلول قانونية و عملية لمشاكل العدالة ببلدنا و التي في مجملها تتمحور حول إجراءات التبليغ و التنفيذ و التكوين لكافة مكونات العدالة نراه قد إختزل المشكل في القاضي وحده و نحى منحى التضييق عليه و تكبيله بمفاهيم و مفردات ضدا على ما منحه الدستور من حقوق حتى ينهض بدوره الدستوري داخل المجتمع.و هكذا أريد للإصلاح أن يكون.

* عضو المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغر ب، مستشار بمحكمة الاستئناف بالرباط