تبدو مسيرة هشام العلوي، الباحث والأكاديمي المغربي، استثنائية إلى حد كبير بالنظر إلى أصوله العائلية وطبيعة اهتماماته البحثية. فقبل أن يصبح باحثاً في العلوم السياسية وأستاذاً زائراً في العديد من المؤسسات الأكاديمية المرموقة دولياً، حمل العلوي لقب أمير بوصفه ابن عم الملك محمد السادس، ملك المغرب.
بالطبع، وفرت له أصوله العائلية فرصاً للدراسة في كبرى الجامعات الدولية، حيث حصل على درجة البكالوريوس من جامعة برينستون ودرجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة ستانفورد. لكن شغفه البحثي طغى لاحقاً على أصوله الملكية ودفعه للتخلي عن لقبه الأميري والتعمق في مجال البحث السياسي والاجتماعي وقضايا الحوكمة والتنمية المحلية. وفي عام 2009، أطلق مؤسسة هشام العلوي، وهي مؤسسة خاصة غير ربحية تدعم أبحاث العلوم الاجتماعية في العالم العربي في الجامعات الرائدة.
كتب العلوي، الباحث اليوم بمركز ويذرهيد للشؤون الدولية بجامعة هارفارد، في رسالة عبر البريد الإلكتروني “حان الوقت لدراسة مجالات وقضايا بحثية أخرى لها تأثيرات مهمة ولا تطغى عليها السياسة بشكل مباشر.”
تعزيز الديمقراطية أولوية
“دفعته التجارب والأحداث التي تعرض لها منذ سنواته الأولى للتفكير في هذه القضايا من منظور جديد، واقتراح الإصلاحات الديمقراطية باعتبارها ضرورية.”
خلال فترة الدراسة ومن ثم العمل كأستاذ في جامعتي كاليفورنيا وستانفورد، تركز اهتمام العلوي البحثي على السبل الممكنة لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في مجتمعات الشرق الأوسط والمعوقات أمام وجود حكومات ديمقراطية. إذ ناقش في بحث الدكتوراه بجامعة أكسفورد السبل الممكنة لإقناع الأنظمة الاستبدادية بالانخراط في عملية التحول الديمقراطي، والوسائل الممكنة لدمج الجماهير الكبيرة المتعاطفة مع تيارات الإسلام السياسي في عملية التحول الديمقراطي.
يعتقد جورج جوفي، أستاذ العلاقات الدولية والمتخصص في دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بجامعة كامبردج وأحد المشرفين على رسالة العلوي في الدكتوراه، أن نشأته المبكرة في الأسرة الحاكمة في المغرب، ودراسته في المدرسة الملكية، فضلاً عن معايشته للعديد من الأحداث السياسية الصعبة في بلاده لعبت دورًا رئيسيًا في تشكيل أفكاره.
قال في رسالة عبر البريد الإلكتروني “دفعته التجارب والأحداث التي تعرض لها منذ سنواته الأولى للتفكير في هذه القضايا من منظور جديد، واقتراح الإصلاحات الديمقراطية باعتبارها ضرورية.”
اقترح الأكاديمي المغربي في أطروحة الدكتوراه حلاً لأزمة الاستبداد في المجتمعات العربية يقوم على مبدأ التحول الديمقراطي، الذي بدأ في السبعينيات في أمريكا اللاثينية، والذي يسمح للأنظمة الاستبدادية بـ “توجيه” التحولات الديمقراطية من خلال مجموعة تنازلات للحركات الاجتماعية أو الأحزاب السياسية لا تمس المصالح الأوتوقراطية التي يتم تقليصها تدريجياً بهذه الطريقة من من خلال سلسلة من التغييرات الطفيفة التي تؤدي في النهاية إلى الحكم الديمقراطي.
“ذكائه العام ووجهات نظره المتوازنة حول القضايا الصعبة والمعقدة والمثيرة للجدل كانت السمة المميزة فيه كطالب يعتز بجذوره المغربية العميقة، ومهتم بدرجة كبيرة بالأحداث الدولية التي تظهر دافعًا قويًا لجعل حياته مفيدة في مجالات السلام والعدالة.”
بدوره، كتب ريتشارد فولك، أستاذ القانون الدولي في جامعة برينستون الأميركية وأحد مدرسي العلوي خلال فترة البكالوريوس، في رسالة عبر البريد الإلكتروني، أن “ذكائه العام ووجهات نظره المتوازنة حول القضايا الصعبة والمعقدة والمثيرة للجدل كانت السمة المميزة فيه كطالب يعتز بجذوره المغربية العميقة، ومهتم بدرجة كبيرة بالأحداث الدولية التي تظهر دافعًا قويًا لجعل حياته مفيدة في مجالات السلام والعدالة.”
لاحقاً، دفع توطد العلاقات والاهتمامات البحثية المشتركة بين فولك والعلوي للتعاون في إنشاء مشروع للدراسات تحت رعاية برنامج الدراسات العالمية في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا.
كرس المركز البحثي، على مدار عشر سنوات، جهده في مناقشة الآثار الاجتماعية والسياسية الواسعة لتغير المناخ على المجتمع، عبر التجول في مناطق مختلفة في دول العالم كالهند والمغرب والولايات المتحدة. وأثمر ذلك سلسلة أوراق بحثية تحت عنوان إعادة تخيل تغير المناخ.
إلى جانب المشاريع البحثية، مول العلوي تأسيس مركزين بحثيين دائمين هما المعهد عبر الإقليمي في جامعة برينستون وبرنامج الإصلاح العربي والديمقراطية في جامعة ستانفورد.
وأوضح أن السبب الرئيسي وراء هذه الخطوة هو الروابط الشخصية والعاطفية العميقة جدًا التي تربطه بهاتين الجامعتين التي تمتد لعقود طويلة.
أما عن محدودية دور رجال الأعمال في دعم مؤسسات التعليم العالي في العالم العربي مقارنة بحجم مساهماتهم في أوروبا وأمريكا، فيعتقد العلوي أن الخلل في التوازن يكمن في “المظهر المؤسسي للمستفيدين والمصالح الاستراتيجية للمانحين، فضلاً عن القيود السياسية والبيروقراطية المرهقة التي تمنع تلقي مؤسسات التعليم العالي في العالم العربي من تلقي التمويل الخارجي.”
إصلاح التعليم في العالم العربي
“تسمح الديمقراطية لجميع أصحاب المصلحة المشاركين في عملية التعلم، بما في ذلك الطلاب والمعلمين وواضعي السياسات، بالتفاعل،”
حاول العلوي تأسيس مركز بحثي في المغرب مماثل لما أطلقه في جامعة برينستون ودعم إنشاء جامعة جديدة؛ لكن التجربة لم تنجح في كلتا المحاولتين.
قال “أثبتت التجربتان كم الصعوبات التي يواجهها دعم مؤسسات التعليم العالي في المغرب، والتي يصعب التغلب عليها.”
يعتقد العلوي أن الحل الرئيسي لمنظومة التعليم في بلاده والعالم العربي يكمن في دعم الحكومات للجامعات بمزيد من الموارد المالية، وبمساحة أكبر من الاستقلالية لاتخاذ القرارت المحلية. (اقرأ المقالين ذي الصلة: الابتكار الداعم: نموذج لتغيير التعليم العالي العربي و كتابين يستكشفان سبل إصلاح التعليم العالي العربي).
فالجامعات تنجح حين تحصل على الاستقلال في تحديد أولوياتها الخاصة كتوظيف أعضاء هيئة تدريس مناسبين، وإعادة تكوين مجالات التخصص، وجذب الطلاب المناسبين لتلك المجالات.
قال “أن تصبح مرنًا بما يكفي لاستيعاب الاتجاهات الجديدة التي تستجيب لأسواق العمل المحلية وكذلك الاقتصاد العالمي القائم على المعرفة.”
مؤخراً، أنهى العلوي مع فريق بحثي كتاباً بعنوان “الاقتصاد السياسي للتعليم في العالم العربي” والذي ناقش خلاله العلاقة بين بنية النظام الاقتصادي والسياسي للدول العربية وأنظمتها التعليمية، وكيف يساهم غياب الديمقراطية في نقص جودة هذه النظم. (اقرأ التقرير ذي الصلة: دراسة جديدة: تكلفة فروع الجامعات الأميركية في الخليج أكبر من عائدها المعرفي).
قال “تسمح الديمقراطية لجميع أصحاب المصلحة المشاركين في عملية التعلم، بما في ذلك الطلاب والمعلمين وواضعي السياسات، بالتفاعل،” مؤكداً أن التغييرات التعليمية في ظل الأنظمة الاستبدادية لا تحدث إلا عندما تُفرض من أعلى إلى أسفل، والتي تؤدي في النهاية لإصلاحات هشة غير مستدامة.
مبادرات نحو برامج بحثية جديدة
“وضع التعليم مستقبلا لن يكون بالضرورة قاتما بل قد يشهد تطورا نحو الأفضل ولو في الحد الأدنى”.
اليوم، يعمل العلوي مع فريق بحثي على ثلاثة مشاريع أكاديمية جديدة، الأول: حول الحكم والتنمية المحلية في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً حول التنمية البشرية في المجتمعات المهمشة، التي تعيش في الأطراف الريفية وتجربتهم التي تتمايز عن كيفية إدارة المراكز السياسية الحضرية.
بينما يستكشف مشروعه البحثي الثاني العواقب غير المقصودة للمساعدات الخارجية والعسكرية التي تدفعها الدول في الغرب لحكومات الشرق الأوسط، وأثرها داخل هذه المجتمعات.
ويطلق من خلال مشروعه الثالث مبادرة مستمرة حول تغير المناخ في الشرق. الأوسط، تبحث الطوارئ المناخية التي تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمعرفة الأخطار والتحديات والفرص جراء هذه التغيرات. ويتضمن المشروع نشر كتب حول الآثار الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لتغير المناخ داخل بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآثاره على نوعية الحياة السياسية وحماية حقوق الإنسان. (اقرأ المقال ذي الصلة: النمو السكاني يضاعف من تأتير التغير المناخي).
قال فولك، أستاذ القانون الدولي في جامعة برينستون الأميركية، الذي يشترك مع العلوي في إدارة هذه المشروع، “تركز خطتنا الحالية على رعاية سلسلة من الكتب حول مواضيع متفرقة كإدارة الموارد الطبيعية، بما في ذلك التربة والمياه العذبة والتنوع البيولوجي، ولاجئو المناخ، والأبعاد الصحية لتغير المناخ.”
بدوره، يؤكد العلوي حرصه على الاستمرار في دعم مؤسسته إلى جانب مشاريعه البحثية بما يرصد التغييرات الاجتماعية ويسهم في تطوير مجتمعاتها. إذ يعتقد أن المطالب الاجتماعية والسياسية ستزداد مع مرور الوقت، وستكون المنظومة التعليمية في قلب هذه المطالب لأن التعليم هو الرافعة وهو “المصعد الاجتماعي”.
قال ” تجاوب السلطة الحاكمة مع المطالب المتعلقة بالتعليم لن يشكل عليها خطراً مباشراً بل قد يخفف من حدة التوتر. وضع التعليم مستقبلاً لن يكون بالضرورة قاتماً بل قد يشهد تطوراً نحو الأفضل ولو في الحد الأدنى.”
المصدر: الفنار للإعلام