مذكرات إمرأة مهاجرة

تكتبها : منى عواد رفيع
فتحت عيني بتكاسل … أعادت كلماتك الذاكرة المفقودة … إرتَمَت بعنف على الجسد المثقل المصروع بهموم المشرق والمغرب… وأنا التي لا زلت بين نوم وفياق… أردت أن أكتب اليك باناملي كالفتائل الموقودة …وبداخلي بحر هائج تتلاطم أمواجه بعنف الصخور… أردت للرياح أن تزمجر وتزلزل ، أن تعبر عما بداخلي … ولكني لم أجد بداخلي سوى أوراقا قديمة … بقايا شعوب معطوبة تجر خيبة الأمل على أشلاء الهزائم… وجدت سوى مشاعر زائفة تتغير في اليوم الواحد آلاف المرات… لم أجد سوى أوراقا كتبتها يوما عن العروبة، عن الوطن ، عن الحب … هل سأفرح بكتاباتي .. القديمة !!! . بإحساسي. السابق…!!؟؟ أم ابكي بالانتصار بالسقوط …!! بانتصار الفوضى والكراهية والصراعات والتفرقة وسقوط الحب والأمل…!؟؟ سقوط الشرق بيّن لي الحقيقة … جحيم الواقع … بوجهه الجهنمي غَيّرَ الملامح … لم يعد الشارع يشعر … تماثيل من ورق و أعواد كبريت أراها أمامي … البعض يشعل البعض … حُرقَ الإنسان بداخلي…. ما أثقل هذه الصورة على الجسد الذي لا زال بين النوم واليقضة …!!أما الجوارح فلا تسأل.. !! لِمَ أعدتَ إليّ ذاكرتي … لِم كتبت عن الكرامة في الوطن العربي ونسيتَ معنى الكرامة ..!! لم بحثتَ عنها بين الشوارع والآزقة …!!! لقد رميت الكرامة على شواطئ البحر … خلفت وراءها أنثى سكَنَتها مشاعر زائفة … عن التاريخ … عن …الانسان … عن الوفاء … فضّلَت كل يوم أن تشرب قهوتها الصباحية وتدخل في غيبوبتها الأبدية… في غيبوبتي ياسيدي تخيلتك حلما ممطرا يغسل المدن القديمة ليعيد لحيطانها وأبوابها مفعولها العجيب في النفوس … في خضم الحلم …كان بودي أن أقول لك إن الألم يصهر النفس ، يحولها إلى نور يضيء الكون … كان بودي أن أوكد معك أن العروبة جريحة تحتضر… كما أحتضر أنا اليوم … ومن ذلك الجرح نطل أنت وأنا على العالم حالمين بالمستقبل … كان بودي أن أقول لك أن غدا لا بد أن تشرق فيه عدالة السماء … ولكن كيف سأقول هذا وأنا الوطن المغلول المرمي في عالم الخيبة ، والجرح , والوحدة ، والانقسام؟؟؟؟ فقدت القدرة على الكلام حتى في الحلم … صورتك في الحلم سيدي شدتني من جديد إلى واقعي ، فانا أختلف عنك … أنا روح أصبحت قلقة متمردة، كرهت زيف القارات وجبنها وإندحارها أمام صنم الهيولي الفانية… تجمدت أحاسيسي فهي لم تعد تستطيع أن تصمد أمام الرياح العاتية التي تهب من جحيم “دانتي”… وجدت نفسي أبتعد عنك أجوب المقابر … مقابر صبرا وشاتيلا … أعيد الذكرى … أنتقل إلى المقابر الأخرى لأرى بقايا أطراف رجال غزة التي حصدت عن آخرها .. ..وصناديق أسلحة الدمار الشامل التي دمرتني حتى العظم… وأحمر الشفاه!!! لم أعد أرى للآلوان طعما … الأحمر قاتم في كل الواجهات …اليوم … غرفة نوم مهجورة قلتَ …!! منذ متى كان النوم في الغرف مريحا … والأخرون تحت الخيام يبكون الأمن…!!! منذ متى نفكر في الحبلى والأطفال يفترشون الشوارع …!!! جيلنا القادم المنكسر… ووطننا الحاضر غائبا ..!! إعلم يا سيدي علمتني خيبة الأمل في أعلى مستوياتها … لقد خنت العهد… بكيتك كما بكيت أناساً تشردوا في أزقة المدن الحجرية التي خٌطِفَ قلبها فشنقت أمام عيني أبناءها كما شنقت الحلاج أيام نبوته… كنت أعتقد أن المناعة التي غسلني بها الرقراق ستكون أكبر من الحواجز الوهمية … ولكن لا أخفيك أن “رامبو” الجديد في حلته المزركشة إستطاع أن يطبعني بقتامة سرمدية رمتني على خارطة العالم … كَسّرَت خيبة الأمل كل زوارقي… طلبت منك النجدة … قلتَ ستجمع قلوب النساء المنسية … ستمسح الجرح الصارخ الذي لم ينذمل … قلتَ سأبقى بداخلك … عطشك هو عطشي لا نهاية لحدوده… أملك هو أملي لا نهاية لآفاقه … إيمانك كإيماني يتجدد كل يوم… ولكنك إنشغلت ونسيتَ… لقد خذلت العهد … سأمشي تحت المطر غدا لعله يرهق ذاتي المتعبة … وأنام من جديد … في غفوة مطولة…