قراءة في مشروع قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية
شهد التشريع المغربي خلال الأربع سنوات الأخيرة صدور ترسانة غير يسيرة من مشاريع القوانين و المدونات التي حاولت من خلال مضمونها مسايرة ما تضمنه دستور المملكة المؤرخ في فاتح يوليوز 2011 من مقتضيات تزيد من تعزيز و ضمان الحقوق و الحريات، و الذي رفع السقف عاليا في هذا الشأن ،في ترجمة منه لالتزام بلادنا ملكا و شعبا بكل ما تنص عليه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان من مبادئ و أسس ، سواء من حيث الحقوق أو الواجبات . حيث ان جلالة الملك محمد السادس ايده الله ما فتئ يولي فائق عنايته لإصلاح منظومة العدالة ،إيمانا منه بأن العدل هو قوام دولة الحق و المؤسسات ، وهو المحفز للاستثمار و المحقق للتنمية في كافة المجالات .
و عليه، بات الكل يعلم أن الدستور الجديد يعد طفرة نوعية من حيث المقتضيات المتعلقة بالقضاء المغربي و ما يمكن أن تخلقه هذه الأخيرة من رقي للسلطة القضائية و جعلها مستقلة عن السلطتين التشريعية و التنفيذية، و تحقيق الضمانات المخولة لاسترجاع الثقة في الجسم القضائي ككل،شريطة تطبيق تلك المقتضيات تطبيقا فعليا و سليما على أرض الواقع .
ومن ضمن مشاريع القوانين التي وضعت لتفعيل المبادئ الدستورية أعلاه،نجد مشروع القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي وضع استجابة لمقتضيات الفصل 116 من الدستور في فقرته الرابعة .
هذا المجلس الذي يعد هيأة عليا تسهر على استقلال القضاء و تطبيق الضمانات الممنوحة للسادة القضاة، و من المعول عليه أن يحقق مجموعة من الأهداف نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
- تسيير الشأن القضائي و الإشراف على الإدارة القضائية و مراقبة مدى تخليقها للعمل القضائي بالمحاكم .
- تمتعه باستقلال مالي و إداري يضمن عدم تبعيته لأية جهة .
- إحاطته بكل ما يتعلق بالمسار المهني للسادة القضاة .
- ضمانه لمبدأ تكافؤ الفرص و عدم التمييز و المناصفة في تدبير وضعيتهم الفردية .
فهل كان واضعوا المشروع موفقين في جعل مقتضياته تعكس ما سعى إليه الدستور المغربي من إقرار للضمانات المحققة لاستقلال القضاء و بالتالي اعتبار المجلس الاعلى للسلطة القضائية مؤسسة كفيلة بالنهوض بالدور المنوط بها لتكريس سلطة قضائية مستقلة عن باقي السلط ؟ هل كان في مستوى التطلعات المرجوة منه و خاصة تلك التي تسعى إليها مختلف المؤسسات الفاعلة في حقل العدالة للحصول على جسم قضائي سليم و مضطلع بدوره الاساس المتمثل في تحقيق النجاعة القضائية التي يأملها المواطن المغربي ؟ و ماهي التصورات التي من شأنها جعل المشروع المذكور قريبا من صفة الكمال و محققا للمأمول منه إذا ما أخذت بعين الاعتبار في هذه المرحلة التي هي مرحلة دراسة أمام قبة البرلمان .
كلها علامات استفهام سنحاول مقاربتها من خلال التعرض إلى الإيجابيات التي جاء بها مشروع قانون المجلس الاعلى للسلطة القضائية و كذا المآخذ التي اعترته،مع التطرق بشكل مقتضب لمقترحات نادي قضاة المغرب باعتباره جمعية مهنية تعمل في مجال الدفاع عن استقلال السلطة القضائية و استقلال القضاة و ما يرتبط بذلك من التزامات تمليها المرحلة القضائية الراهنة،و الذي كان سباقا لوضع تصوراته حول مختلف مشاريع القوانين التي تم تنزيلها خلال الثلاث سنوات الفارطة .
ونشير هنا إلى ان الامر يتعلق بخامس نسخة من النسخ المعلن عنها ،وهي مسالة تحسب للجنة التشريعية التي قامت بسنه، وتعكس المجهودات المضنية التي بذلت من لدنها سعيا منها لبلورة قانون يليق بمؤسسة سامية ووازنة في نسيج العدالة ببلادنا .
فعلى مستوى الشكل : نجد أن هذا المشروع،يتسم بلغة جيدة و تراتبية ممتازة فيما يخص التبويب و تقسيم المواد،وهو يحتوي 112 مادة تم تقسيمها بشكل متوازن وفق ما يلي :
– القسم الاول:احكام عامة
– القسم الثاني:تأليف المجلس .
– القسم الثالث :تنظيم وسير المجلس.
– القسم الرابع :الاختصاصات المنوطة به .
-القسم الخامس: أحكام انتقالية و مختلفة .
و قبل التطرق لقراءة في فحوى المشروع، نشير هنا إلى ملاحظة تتمثل من جهة في طريقة تعاطي الهيآت الحكومية و التشريعية مع هذا القانون ،حيث تمت إحالتها للمناقشة أمام البرلمان بمعزل عن مشروع النظام الاساسي للقضاء،مع العلم أنه وثيق الصلة به و كان من الأجدر أن يحالا معا بقصد المناقشة،و من جهة أخرى نجد أنه أحيل رفقة ترسنة مهمة من مشاريع قوانين أخرى،و هو ما سيحرمه حقه في المناقشة بشكل يتناسب و الاهمية التي يكتسيها .
-من المادة 1 إلى المادة 4:
تضمنت هذه المواد الأحكام العامة التي تؤطر القانون التنظيمي للمجلس الاعلى للسلطة القضائية، و التي تستمد أسسها من المبادئ المنصوص عليها في دستور المملكة و خاصة الفصول 107 / 113 و 116 منه، و التي يمكن إجمالها في التاكيد على ان السلطة القضائية هي سلطة مستقلة عن التشريعية و التنفيذية و ان جلالة المالك هو الضامن للاستقلال المذكور،إضافة إلى اعتبار المجلس الاعلى للسلطة القضائية هياة مستقلة متمتعة بالشخصية الاعتبارية و الاستقلالين الاداري و المالي و أن الدولة ملزمة بتوفير كافة الوسائل المادية و البشرية و مقر خاص به كي يتسنى له القيام بالمهام المسندة له .
– من المادة 5 إلى المادة 19 :
تولت هذه المواد مهمة تبيان مكونات المجلس تجسيدا لما نص عليه الدستور المغربي في الفصل 115 منه ،و كل ما يتعلق بالعضوية فيه، و حالات التنافي معها ، إذ يتكون المجلس الأعلى للسلطة القضائية من :
ـ الرئيس الأول لمحكمة النقض , رئيسا منتدبا .
ـ الوكيل العام للملك بنفس المحكمة .
ـ رئيس الغرفة الأولى بنفس المحكمة .
ـ عشر قضاة منتخبين , أربعة منهم عن محاكم الاستئناف , و ستة عن محاكم أول درجة .
ـ الوسيط .
ـ رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان .
ـ خمس شخصيات يعينها الملك من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى .
و الملاحظ في هذه التشكيلة أنها تتسم بالتنوع و لا تقتصر على من يحملون الصفة القضائية،و هذه مسألة جد إيجابية، لكن حبذا لو اعتمد الانتخاب كأسلوب لاختيار الرئيس الأول بمحكمة النقض والوكيل العام للملك لديها من طرف القضاة أنفسهم ، على أن يوافق جلالة الملك بظهير على تعيينهما من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية انسجاما مع الفصل 57 من الدستور .
و الإيجابي في هذا المقترح أنه يجسد الروح الديمقراطية للدستور و القائمة على مبدأ التشاركية التي يتعين أن تتجسد في هذه الحالة في إشراك القضاة أنفسهم في اختيار من يشرف على الهيئات التابعة لهم ، كما أنه يعكس المبادئ الدولية بشأن تشكيل المجالس العليا للقضاء ، و يكرس المبدأ الدستوري القائم على ربط المسؤولية بالمحاسبة علما بأن آلية الانتخاب سوف تمثل أكبر ضمانة لعدم التعسف في ممارسة السلطة .
كما أن اعتبار رئيس الغرفة الأولى بمحكمة النقض عضوا بقوة القانون ، لن يكون مبررا لعدم انتخابه ، و الأفضل أن يتم ذلك من لدن جمعية عمومية يتعين اعتماد العمل بها بمحكمة النقض تجسيدا لروح الاستقلالية ، من أجل ضمان الشروط السليمة لتنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة .
و يعتبر توفر شروط الكفاءة والتجرد والنزاهة، والعطاء المتميز في سبيل الدفاع عن استقلال السلطة القضائية وسيادة القانون و ضمان احترام المؤسسات في كافة الأعضاء المذكورين آنفا من الأمور التي لا خلاف بشأنها .
كذلك،تطرقت المواد المذكورة إلى عدم الجمع بين العضوية في المجلس و بين اي ممارسة فعلية لمهام قضائية بالنسبة للقضاة المنتخبين،و هو مقتضى جد إيجابي من شأنه ضمان حسن سير الأشغال بالمجلس و تيسير التواصل بين الأعضاء و بين باقي القضاة.
تم التعرض أيضا لمسألة تعويضات السادة الاعضاء من لهم الصفة القضائية بمناسبة قيامهم بمهامهم في المجلس و عدم الجمع بينها و بين تعويضات أو أجور أخرى،مدة العضوية التي تم تحديدها في خمس سنوات غير قابلة للتجديد بالنسبة للاعضاء المنتخبين و قابلة للتجديد مرة واحدة بالنسبة للأعضاء المعينين من طرف العاهل المغربي،بالإضافة إلى حالات انتهاء العضوية المنصوص عليها في المادة 13 ،و نشير هنا إلى ملاحظة بشأن هذه الأخيرة حيث ورد فيها لفظ “الإحالة “على التقاعد بالنسبة للأعضاء المنتخبين كحالة من حالات انتهاء العضوية، و الحال أن الإحالة هي نوع من العقوبة، و كان الأولى استبدالها بكلمة “بلوغ” سن التقاعد.
تستوقفنا أيضا مقتضيات المادة 18 التي نصت على ان القضاة المنتخبين و طيلة مدة عضويتهم لا يحق لهم الاستفادة من أية ترقية في الدرجة،و هذا في إجحاف لهم،و عليه يتعين إلغاء هذا المقتضى ضمانا لحقهم في المساواة مع باقي قضاة المملكة،مع التأكيد على عدم إمكانية نقلهم أو تعيينهم في مهام أخرى طيلة مدة انتدابهم، على أن لا يحضر العضو المعني بالترقية خلال اجتماعات المجلس حين البت في وضعيته،حتى نتفادى تضارب المصالح .
– بالنسبة للمواد من 20 إلى45 :
تعرضت المواد المذكورة إلى كل ما يتعلق بالعملية الانتخابية للمجلس الاعلى للسلطة القضائية، بدءا بمواعيد إجرائها،مرورا بالشكليات المستلزمة لصحتها و نهاية بنشر نتائجها و كيفية الطعن فيها .
من بين النقط الإيجابية المسطرة في هذا الشق أنه تم التنصيص على أن تكون عدد المقاعد المخصصة للنساء القاضيات من ضمن الأعضاء العشرة المنتخبين(أربعة من محاكم الدرجة الثانية و ستة من محاكم أول درجة) تتناسب و نسبة حضورهن في السلك القضائي في كل هيأة،و هذا في تكريس للمبدأ الدستوري المنصوص عليه في الفصل 115 ،و اعتراف بالدور الفعال الذي تلعبه المرأة القاضية في النهوض بمهنة القضاء ، و ما أبدته من مؤهلات لا تقل عما أبداه زميلها الرجل في هذا الشأن .
بالمقابل،لم يكن هناك داع لاشتراط أقدمية معينة للترشح لعضوية المجلس مثلما ورد في المادة 24 من المشروع ، و كان من الأولى السماح لكل من تتوفر فيه شروط الانتماء لمحاكم الدرجة الاولى و الثانية في أن يترشح من غير تقييد لهذا الحق ، و ذلك حتى لا نحرم المجلس الأعلى للسلطة القضائية من كفاءات و طاقات قد تسهم مساهمة فعالة في تكريس روح الاستقلال الحقيقي للسلطة القضائية .
إيجابية أخرى تسجل لصالح المشروع و هي إشراف الرئيس المنتدب للمجلس على العملية الانتخابية منذ بدايتها إلى نهايتها ،و هذا فيه تكريس لاستقلال السلطة القضائية .
كما تم التنصيص على أحقية كل مترشح في الطعن في النتائج التي أسفرت عنها العملية الانتخابية أمام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض و وفق المساطر القانونية دفاعا عن حقه في الترشح .
بالنسبة لآليات عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية
تم التنصيص عليها في المواد 46 إلى 61 من المشروع، و تهم بالأساس
أ : الشق المالي و الإداري .
حيث تم تخويل الرئيس الأول لمحكمة النقض بصفته الرئيس المنتدب للمجلس صفة الآمر بالصرف، وكذا الحق في تفويض هذه الصلاحية وفق الأنظمة و القوانين المعمول بها في هذا المجال.
و قد كان النص القانوني في هذا الشأن و الذي هو المادة 60 سيتصف بنوع من الكمال لو أنه تم التنصيص فيه على أن ينوب عنه في حالة تعذر قيامه بأعماله لأي سبب كان الوكيل العام لدى نفس المحكمة .
كذلك،كان يتعين العمل على تعزيز ضمان الاستقلال المالي للمجلس من خلال مشاركته في إعداد ميزانية السلطة القضائية و توفير جميع الإمكانيات و الموارد لتطلع بدورها في حماية الحقوق الفردية و الجماعية للمواطنين .
من سمات الاستقلال الإداري للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في هذا المشروع ، تمكينه من مقر مستقل وكذا من موظفين إداريين تابعين له و مسؤولين أمامه .
ب :بالنسبة لآليات الاشتغال :
فإن أداء المجلس للمهام الموكولة له يمر عبر احترام مجموعة من القواعد تتمثل في:
-احترام انعقاد الدورتين العاديتين للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ، وفق ما نص عليه الدستور ،مع شرط الانتظام في ذلك الانعقاد .
-إمكانية عقد دورات استثنائية للمجلس كلما دعت الضرورة إلى ذلك بناء على طلب الرئيس المنتدب و وفق جدول أعمال محدد سلفا ، أو بناء على طلب أغلبية أعضاء المجلس .
-إعداد نظام داخلي للمجلس يحدد كيفية اشتغاله يتضمن معايير تكرس الشفافية و تضمن المساواة بين القضاة يصادق عليه المجلس و لا يصبح ساري المفعول إلا بعد التصريح بدستوريته من طرف المحكمة الدستورية . -تشكيل لجان دائمة و أخرى مؤقتة تساعد المجلس في الإعداد لأشغاله و تجهيز الملفات و القضايا و المهام التي تدخل في نطاق اختصاصه .
وهي كلها مقتضيات دعت إليها جمعية نادي قضاة المغرب من خلال مختلف المذكرات التي ضمنتها تصوراتها في هذا الصدد.
-تشكيل أمانة عامة للمجلس تحت إشراف الرئيس المنتدب على رأسها قاض يعين باقتراح من الرئيس المنتدب لمدة ست سنوات، لكن كان من الأولى أن تكون غير قابلة للتجديد .
و بمقتضى المادة 51 من المشروع تحدث هيأة مشتركة بين المجلس و السلطة الحكومية المكلفة بالعدل للتنسيق في مجال الإدارة القضائية،شريطة عدم المساس باستقلال السلطة القضائية.
لكن ما يلاحظ على هذه المادة هو عدم تبيان المعيار الذي سيتم على أساسه معرفة ما إذا تم مساس بهذه الاستقلالية أم لا،وكذا أين يبدأ و أين ينتهي التعاون المذكور ..
ثالثا : بالنسبة لاختصاصات المجلس:
فقد تم تناولها في المواد 62 إلى 105 من خلال ثلاث محاور أساسية هي:
1)تدبير الوضعية المهنية للسادة القضاة و المعايير المعتمدة بشأنها :
حيث تم حصر تدبير المسار المهني و الوضعية الفردية للقضاة بيد المجلس دون غيره،وهذا فيه تفعيل لمبدأ التدبير الذاتي للسلطة القضائية و تعزيز لاستقلاليتها و إبعادها عن كل تأثير محتمل ،و هذا لن يتأتى بشكل كلي إلا بجعل أشغال التفتيش تحت إمرة المجلس و إبعاد وزارة العدل بصفة نهائية عن تلك الأشغال .
وقد تم تعداد المعايير المعتمدة في تدبير وضعية السادة القضاة في المادة 63،بالإضافة إلى التقارير المنجزة من لدن المفتشية العامة للشؤون القضائية و تلك المنجزة أيضا من لدن المسؤولين القضائيين و السلطة التي يتبعها قضاة النيابة العامة بالنسبة لهؤلاء، و التي ستصبح مؤسسة الوكيل العام بحكمة النقض بعد أن تم الأخذ باستقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية بفضل جهود لا يمكن إنكارها لجمعية نادي قضاة المغرب في هذا الشأن .
و بالرجوع إلى المادة 67 من المشروع نجدها تحيل في مضامينها المتعلقة بتعيين القضاة في مهام المسؤولية على المادة 10 من النظام الاساسي للقضاء و كأنه ساري التنفيذ،و الحال أن هذا الأخير لم تتم مناقشته بعد على الاقل كمشروع امام قبة البرلمان،و نفس الأمر نجده في المادة 74 التي تحيل على المواد من 39 إلى 43 في القانون المذكور فيما يتعلق بانتداب القضاة و التظلمات المرفوعة بشأنه .
السلبية البارزة في هذا الشأن تتمثل في استمرار تقييم السادة المسؤولين القضائيين من لدن وزارة العدل،و هو ما تؤكده مقتضيات المادة 69 في فقرتها الأخيرة،و هذا فيه ضرب لمبدأ الاستقلال بين السلط .
الملاحظ كذلك هو الصياغة التي جاءت بها المادة 73 المتعلقة بانتقال القضاة ،حيث نصت على ان المجلس يراعي على الخصوص المعايير المسطرة في صلب المادة،و هو ما يوحي أن هناك معايير أخرى ظل مسكوتا عنها في هذا الشأن .و نفس الملاحظة تسري على المادة 71 المتعلقة بالمعايير المعتمدة في الترقية .
2)فيما يخص مسطرة التأديب:
باستقراء المواد المتعلقة بهذا الشأن و المجملة في المادة 79 إلى المادة 96، نلاحظ أنه تمت تقوية الضمانات المخولة للقضاة على مستوى المسطرة،و هذا من الحسنات التي تحسب للمشروع،مع التأكيد على ضرورة إنشاء مجلس الدولة بوصفه أعلى هيأة إدارية بالمملكة تناط بها مهمة النظر في الطعون المتعلقة بالوضعيات الفردية للقضاة .
3)المحور الثالث و الاخير و يتعلق بحماية استقلال القاضي
خصصت له المواد 97 إلى 100،حيث يتولى المجلس الأعلى للسلطة القضائية وضع مدونة أخلاقيات تعتبر الاطار المرجعي و السلوكي لتدعيم الأخلاقيات بالنسبة لأعضاء السلطة القضائية، وهو المقترح الذي أكده نادي قضاة المغرب في كافة مذكراته،بالإضافة إلى تولي المجلس مسألة تخليق مرفق القضاء و السهر على استقلالية القضاة و حفظ هيبتهم و تمكينهم من ممارسة مهامهم بكل تجرد و مسؤولية دون التعرض إلى أي نوع من أنواع الضغوط.
كما يتولى المجلس تتبع ثروات القضاة و إصدار التوصيات الملائمة بشأن عدالة بلادنا استنادا على ما يرفع له من تقارير من طرف الرئيس الاول لمحكمة النقض و الوكيل العام بها بصفته رئيسا للنيابة العامة، السلطة الحكومية بالمكلفة بالعدل ،المفتشية العامة،الجمعيات المهنية القضائية ،بالإضافة إلى مؤسسات حماية الحقوق و الحريات و الجمعيات المجتمع المدني، استنادا لمقتضيات المواد 101 إلى 105.
كانت هذه قراءة نقدية سريعة و مقتضبة لمجمل مواد مشروع قانون المجلس الاعلى للسلطة القضائية ،حيث حاولنا من خلالها الوقوف على الإيجابيات التي جاء بها و كذا المآخذ التي تعتريه،دون أن ننكر المجهود الممتاز الذي بذل في سبيل صياغته و إخراجه إلى حيز الوجود.
و لكي تكتمل تلك الصورة النموذجية لهذا المشروع لترتقي به إلى مصاف القوانين التنظيمية و يكون صالحا لعقود من الزمن،حبذا لو تتم تكملته بالمقترحات التالية:
أولا: ضرورة جعل الوظيفة الاستشارية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أمرا واقعا ولا يمكن تجاوزه مادام الأمر يتعلق بصميم اختصاص المجلس .
ثانيا: إشراف المجلس الأعلى للسلطة القضائية على المعهد العالي للقضاء و الإدارة القضائية،وضمان تكوين علمي و عملي رصين للقضاة المتدربين مع ضمان مستوى تكوين مستمر عال الجودة للقضاة الممارسين ، و جعل انفتاحهم على المعارف المتنوعة و اللغات الأجنبية موضوع اهتمام يدخل في صلب التخطيط للتكوين و التكوين المستمر.
تولي الرئيس المنتدب رئاسة المجلس الإداري للمعهد العالي للقضاء و الإدارة القضائية .
ثالثا:ضمان شروط الشفافية و النزاهة و التجرد عند التعيين و الاستحقاق للقضاة الجدد.
رابعا :ضمان انفتاح المجلس و أعضائه على الجمعيات المهنية القضائية من خلال السماح لممثلي هذه الجمعيات بحضور اجتماعاته كملاحظين لتتبع أشغاله مع التزامهم بكتمان سريتها .
خامسا: ضمان سهر المجلس الأعلى للسلطة القضائية فعليا على استقلال القضاة في مختلف أطوار مشوارهم المهني و لا سيما من حيث تنصيبهم ونقلهم وترقيتهم وتأديبهم وتقاعدهم مع مراعاة الضمانات الدستورية التي يمنحها دستور فاتح يوليوز 2011 للقضاة .
سادسا:ضرورة التقيد برغبات القضاة المتعلقة بالانتقالات و لا ينقل القضاة من أماكن عملهم إلا بناء على ما يقتضيه القانون مع ضرورة تعليل جميع مقررات المجلس .
سابعا:اقتراح إنشاء مجلس الدولة ـ بوصفه أعلى هيأة إدارية بالمملكة ـ للفصل في الطعون المتعلقة بالوضعيات الفردية للقضاة وفقا للمستجدات الدستورية؛ باعتبار إنشاء المحكمة المذكورة هو الضمان الأساسي لعدم خضوع الجهة المكلفة بالنظر في الطعون المتعلقة بالوضعية الفردية للقضاة لنفوذ و سلطة القضاة الأعضاء المعينين في المجلس بقوة القانون .
ثامنا:إسناد وظيفة المراقبة و الافتحاص والتفتيش للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، و تحدث لجنة للتفتيش تتكون من قضاة منتخبين تتوفر فيهم شروط التجرد و المهنية و الكفاءة و التجربة و التخصص .
و يعهد للجنة المذكورة بتفتيش المحاكم في إطار التفتيش العام أو الخاص ، وكذا القيام بكافة التحريات اللازمة بخصوص وضعيات التأثير التي يبلغ بها القضاة في إطار الفصل 109 من الدستور كلما اعتبروا أن استقلالهم مهدد.
تاسعا:استشارة السلطة الحكومية المكلفة بالميزانية للمجلس عند إعداد الميزانية الخاصة بالسلطة القضائية و خاصة نفقات التسيير و التجهيز كما تناط بالمجلس جميع الأمور المتعلقة برواتب القضاة و القضاة المتدربين.
عاشرا:التنصيص على إمكانية استشارة المجلس الاعلى للسلطة القضائية من طرف الحكومة او مجلس النواب او مجلس المستشارين بخصوص مشاريع ومقترحات القوانين ذات الصلة بمجال العدالة مع تحديد أجل لإبداء المجلس لرأيه ، و جعل الاستشارة المذكورة على سبيل الوجوب كلما تعلق الأمر بالقواعد المتعلقة بأداء السلطة القضائية لمهامها ضمانا لاستقلالية هذه الأخيرة ، كما يعمل المجلس على إشعار الجمعيات المهنية القضائية بمشاريع و مقترحات القوانين المذكورة و إبداء تصوراتها في الموضوع .
و خلاصة القول،فإن التعرض لمشروع قانون المجلس الاعلى للسلطة القضائية بالدراسة و النقد لا يبخسه قدره من الأهمية و لا يقلل من شأن المجهودات التي بذلت في سبيل إخراجه إلى حيز الوجود و ترجمة مختلف المبادئ الدستورية الرامية إلى تكريس سلطة قضائية مستقلة من خلال مقتضياته،و تبقى هذه الدراسة مجرد محاولة ترمي إلى تعزيزه كقانون يهدف ضمن مجموعة قوانين أخرى إلى النهوض بمنظومة العدالة ببلادنا و جعلها ترقى إلى مصاف تلك التي تتمتع بها الدول المتقدمة،و خير دليل على ذلك الأسس التي تضمنها الدستور المغربي لسنة 2011 و الذي لم يكن ليرفع السقف عاليا فيما يخص الحقوق و الحريات لولا استشعار عاهل البلاد و معه الشعب المغربي بأحقية هذا الأخير في التمتع بقوانين تضمن له كل ما ذكر .
تم بعون من الله و توفيقه
نزهة مسافر، نائبة رئيس المحكمة الابتدائية بمراكش