ارتبط مفهوم الجهاد في الإسلام بمرحلة الكفاح المسلح الذي بدأ زمن النبي، بالإذن للمسلمين في الدفاع عن أنفسهم، يقول عز وجل(لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون)”التوبة:88.
الجهاد في الإسلام، حرب موجهة نحو آخر يهدد سلامتنا وأمننا ووجودنا. وهي حرب مشروعة متى كانت الغاية منها الدفاع عن النفس وحفظ الوجود. لكن عندما تستهدف فرض تصورنا للإيمان الصحيح، وتغيير عقيدة الآخر ومعتقداته، فإننا نكون إزاء إرهاب وتضييق للحريات، الشيء الذي يناقض جوهر الإسلام ذاته الذي يقوم على مبدإ الحرية الدينية.
إن ربط الجهاد بضرورة إخضاع العالم لرؤية المسلم للدين والتدين، أو إجبار الناس على دخول الإسلام، لأنه الدين الحق، هو الذي جعل مشاريع سياسية عدة تجعل منه حجة لفرض وجودها وهيمنتها الفكرية-الدينية. فمن جهاد النفس إلى جهاد الكفار إلى جهاد الأنظمة الفاسدة، إلى ظهور فكر سياسي-إسلامي سيحيد بالقيم العليا للدين نحو حروب دموية ستفوق بشاعتها كفر الآخر الذي لا يضرنا كفره في شيء، ما دام يؤمن بحقنا في الإختلاف وبحريتنا في الإعتقاد.
لقد نجحت الحركات الاستعمارية في وقت من الأوقات،بالرغم من قساوتها وبشاعتها، في إخراجنا من براثن المذهبية والصراعات الطائفية. لكن سرعان ما ستتحول بدورها إلى شرارة ستساهم في إذكاء نار التطرف والعصبية الدينية. لينبثق للعالم أناس فرضوا وصايتهم على الكافر-بتعبيرهم- والمسلم معا. فنظروا للعالم بعين “الأنا-المؤمنة.
كانت البداية مع حسن البنا، ابن الريف المصري، الذي تشبع بقيم الإسلام الشعبي، إن جاز القول، وانطلق نحو مصر المتعددة الأديان والطوائف، حاملا إليها فكرا دينيا جديدا، نأى بذاته بعيدا عن قيم التسامح والسلم والحرية. ولأن حروب الإستعمار تركت جرحا عميقا في كيان الأمة، فإن هذه الأفكار ستجد لها مكانا خصبا لدى شريحة عريضة من شباب الأمة الذين سعوا إلى تعويض الإحساس بالهزيمة الحضارية بالحلم بدولة الخلافة، على غرار الدولة النبوية، بل إنهم سعوا إلى تحقيق هذا الحلم على حساب استقرار وأمن بلدانهم. وقد امتد فكر حسن البنا إلى مجموع الدول الإسلامية، قبل أن يتطور بتطور الأحداث. فمن حركة طالبان-وقد عادت-إلى تنظيم القاعدة وداعش، نجد حضورا قويا لفكر حسن البنا، الذي رفع شعار:”نحن أيها الناس ولا فخر، أصحاب رسول الله، وحملة رايته من بعده، ورافعوا لوائه كما رفعوه، وناشروا لوائه كما نشروه، وحافظوا قرآنه كما حفظوه، والمبشرون بدعوته كما بشروا، ورحمة للعالمين”.
إن هذا القول يحيلنا على التصور المشترك بين كل الجماعات الإسلامية-المتطرفة، التي تنظر للعالم من زاوية الأنا المسلمة مقابل الأنا الكافرة. فهم أصحاب رسول الله، ومجددي الدين، وحاملي لواء الإسلام الحق…
آمن أنصار دولة الخلافة بتمثلاتهم، وانطلقوا نحو العالم لأجل تغييره، ولأجل حمل الناس على الرجوع عن طريق الكفر والتوبة إلى آلله عز وجل. وسرعان ما سيعلنون الحرب ضد الكفار والمرتدين من أمة الإسلام. وبوعي منهم أو بدون وعي، سيتحول جهادهم إرهابا، بسبب تداخل المصالح وتضاربها. وعوض أن يوجه جهادهم نحو عوالم العلم والمعرفة، سلاح الغرب، الذي انتصر حضاريا وفكريا وحتى أخلاقيا، بالرغم من ماديته وعلمانيته وحتى كفره كما يصفونه، سيوجه وللأسف الشديد، نحو الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم وجدوا بمناطق جغرافية حكمت عليها تمثلات الفكر الأصولي-المتشدد بالكفر. ليقف العالم مذهولا-بعد مشاهد الدم وأشلاء الأبرياء- أمام إرادة أناس قرروا ودون سابق إنذار، أن يتكلموا باسم الإسلام والمسلمين، وأن يقتلوا، ويذبحوا، وأن يستبيحوا الأعراض طواعية منهم، وجهادا في سبيل الله، وآلله بريء مما يفعلون.
بشرى اقليش، من كتابي: “الإسلام السياسي ودولة الخلافة”