الممنوعون من “الصرف” من مغاربة العالم.

أغلب التـلاميذ من جـيـلي يحملـون ذكرى غير طيبة عن يوم الثلاثاء.. حيث كانت حصة الصرف والنحو.. بل إن العديد من التـلاميذ كانـوا يكـرهـون يـوم الثلاثـاء لصعوبة المادة وأيضا لاستعـانة المعـلمين آنذاك بـوسائل بـيداغـوجية بغـيضة كالـفـلـقـة والـتِـيُـو الأحمر والـكـرْوا

لكن الـدرس العميق الآخر هو العـلاقة الجدلية بين الصرف والمحل من الإعـراب مُـتجاوزا بذلك دروس يوم الثلاثاء إلى دروس الحيـاة اليومية، لكن ليس الصرف النحـوي بل “الصرف” لـدى مكتب الصرف..وهـو بهذا المعنى أصبح معيارا يطغى بشكـل بـارز في الوقت الراهن على كل ميكانـيزمات التـراتُـبِـية الاجتماعية الأخـرى كالـتـفوق العـلمي مثـلا

البحث عن “الصرف” إذن يـبقى هو السبب الغالب لهجرة المغاربة ومن تـم البحث عن موقع قـدم في المعادلة الاجتماعية أي “المحل من الإعـراب” داخل مجتمع أصبح لا يُـؤمـن إلا بالرصيد البنكي دون سـواه… لـيتـسـلل هــذا المفهوم إلى جمعيات مغاربة العالم ويفـرض نفسه كـأمـر واقـع على جميع الـفاعلين… وهـكـذا نـلاحظ جمعيات لها من الـدعم حتى الـثُـخمة وهناك جمعيات ممنوعة من الصرف”.. والمنـع هُـنا هـو نـتيـجة لعُـسـر هـضمها واحتـواءها وأيضا لعـدم قبـول هـذه الجمعيات لـقـواعـد لُعـبة مغشـوشة

كـل الـقضايا الحيـوية للجالية تجعل من النسيج الجمعوي مـربـط فــرسِـهـا.. لكن لا أحـد تجـرأ ونادى بتوضيح الـتعريف ومأسسة النسيج الجمعوي بالمهجر.. فالعديد من الفاعلين أنفسهـم طالبـوا بهذا التعريف وتسـاءلـوا عن وجــود اعتراف من عـدمه لـجمعيات مغـاربة العالـم من الناحية القانونية..؟

لأن الاستمرار بغض الطرف عن هـذا الـفـراغ القـانوني يحمل ضررا بمصلحة  الجمعيات أولا وبمصلحة المغـرب ثـانـيا..

اقـتـراحات المشاركة السياسية أو تلك الخاصة بمجلس الجالية المُـقـدمـة من طرف بعض الأحزاب تضمنت “جمعيات مغاربة العالم”.. كفاعل محوري وهـو تنـاول عليه الكثير من علامات الاستفهام.. فعـن أي جمعيات مغاربة العـالـم يتحدثـون.. في ظل شتـات واضح بقصد أو بغير قـصد…؟

فإذا كانت كـواليس الجالية تُـقسـم جمعيات مغاربة العالم إلى جمعيات “أنـا وخـويا ومْـراتـي” وجمعيات حـاضر سعـادة الـقُـونْصُـو”.. دون أن ننسى ما تـبقى من ورثـة الـوداديات.. فـإن الــزج بجمعيات مغاربة العالـم كما هي عليه الآن في قضايا ذات عُـمـق دستـوري يـدخل في خـانة الـتسرع والعجـلة ونتائجه محسـومة قـبل بـدئ أي اقـتراح أو مبـادرة

كما أن المنطـق “ولْـد الْحـْرامْ” يُــوشـوشُ لنــا بأنه لا يمكن القفــز واستهلاك مصطلح “جمعيات مغاربة العالم” في مواضيع ناضلت من أجلها فعـاليات قـوية، دون تعريفها أو تخصيص مــركز قانوني لـها أولا ثـم الانتـقـال بشكل سلس للاشتغـال “مع” وليس “بـ” جمعيات مغاربة العـالـم فمن له المصلحة في هـذا الـفـراغ القـانـوني..؟

أثناء حـوار المجتمع المدني لصاحبه الـوزير الـشـوبـانـي تمت الإشـارة لهـذا الإشكـال، ويبـدو أن صدى التساؤل والإشـارة لم تتـجاوز جـدران قـاعـة الاجتماعات.. بحيث لم نسمع لحد الآن أية إشـارة نفهـم منها أن الـرسالـة وصْلاتْ وأن الأعمال جارية لـسد الـفراغ..

فـقـانـون الحريات  المغربي يُـحيل في فصله الثاني 2 على الفصل  الخامس  5 الذي يُـحدد شـروط تـأسيس الجمعيات واشـتـراطهـا “وصل من السلطات الادراية.. ومقـر بالمغـرب”، وبالـتـالي نـجـد جمعيات مغاربة الـعـالم خـارج النص القـانـونـي أي لا يمكـن إشـراكهـا في أيـة عـملية انتقـالـية وهي تـحمل صفة “نـكـرة”.بـل أكثـر من هــذا هـل تستحق الـدعـم المادي من الأموال العامة المغـربية لأنشطتها بالخارج، رغـم ضبابية المركز القــانـوني..؟

وزارة الهجـرة المغربية حاولت الالتـفـاف وسـد الفـراغ فــوقعت في”جــا يْـكـحـلـها عْمـاهـا”، وأعطت تعـريفـا لجمعيات مغاربة العالــم التي يمكنها المشاركة في طلبات المشاريع كالـتالي..

“نعني بجمعيات المغاربة المقيمين بالخارج كل جمعية يشتمل مجلس إدارتها و/ أو مكتبها المسير على مهاجرين مغاربة أو من أصل مغربي..” مع الإشـارة إلى اختـلاف نفس التعريف بالصيغة الفرنسية..؟؟؟

فهل تعريف وزارة الجالية لجمعيات مغاربة العالم هـذا كـافـي ومُقـنـع؟ وهـل يـسـمُو على قـانـون الحـريات المغربي..؟

رد صديقي ساخـرا “إنه مُجـرد كــلام فـضفاض وحلـقـة مـفـرغـة”، بل إن المنطق “ولـد الحرام”.. مـرة أُخـرى يُـنبهُـنـا إلى فـرضيـة اعتبـاره منـاورة وتمـويها تـكـتيـكـيا من أجل ضخ أمـوال لـدعم جمعيات صديقة أو لمآرب أخرى… لا يعلمها إلا الـراسخون في العلـم..

وللإنصاف فـإن شـروط الانتـقـاء الـواردة في الإطـار المرجعي الخاصة بطلبات المشاريـع المنشورة في موقـع وزارة الجاليــة لا يمكننا إلا الـتنويــه بهــا.. إلا أنها تبقى عـنـوانـا لما يجب أن يــكـون ومُتعـارضـا بشكل كبيـر لما هـو كــائـن..

وهذا ما يُـبرر الضجة الكبيرة حين تـم نـشـر أسماء الجمعيات المستفيدة من الدعـم وكـذا الأرقـام الخيالية… وانهالت الاتهامات سواء على الوزارة أو على تلك الجمعيات..

وأيضا الضجة حول اجتماع الصخيرات في ماي 2014 وتـراشـق سـوء الـتـنظيـم ومعــايير الاستدعاء بين وزارة الهجرة والقنصليات… حيث راج الحـديث عن جمعيات الوزارة وجمعيات الـقنصليات.. فكـيف يمكنـنا الـحديث إذن عـن جمعيات المهاجرين.. وأيـن مـوقعـها مـن الإعـراب..؟؟

لا يمكن الاستمرار في وضع ضبابي خاص بالمـركز القانوني في وقت وصل فيه المجتمع المدني إلى رُتـبة “شـريـك” في أكثـر من موضوع، بل وصل إلى التشريع التـشـاركي إلى جانب مؤسسات التشريع الكلاسيكية..

لنصل إلى أن الخطـوة الأولى في مسلسل إشـراك الجالية في قضاياها هـو تـقـديـم تعريف جـامـع ومـانـع لكـل لُـبس لجمعيات مغاربة العالــم.. حتى يُـمْكن للجالية قـبولـه والاقـتناع بوجـوده وإلغــاء الأحكام الجاهـزة عن فعـاليـات جمعيات مغاربة العـالـم.. واعتباره رافـعـة وقـنطـرة أمـينـة وآمـنـة لكل انشغـالات الجالـية وانـتظاراتهــا..

إن ما نـراه الآن من استعمال وحشـو مُـفـرط  لمصطلح جمعيات مغاربة العالم في العـديد من المبادرات بـدون تـحـديـد  للمعالــم هـو فقــط هــروبـا إلى الأمــام..