العنف ضد النساء …نزيف معاناة لم ينضب

العنف ضد النساء …نزيف معاناة لم ينضب
ذ مارية الشرقاوي

حسب بحث وطني قامت به وزارة الأسرة والتضامن فإن 54,5 في المائة هي نسبة انتشار العنف ضد النساء على الصعيد الوطني خلال سنة 2018، بلغت نسبة النساء المعنفات في الحواضر 55,8 في المائة مقابل 51,6 في المائة بالوسط القروي ،و تمثل النساء اللواتي تتراوح أعمارهن مابين 25 و29 سنة أكثر الفئات التي تعرضت للعنف حيث بلغت 59,8 في المائة، وحسب ذات البحث فان العنف النفسي هو أكثر أشكال العنف الذي تتعرض له النساء حيث يمثل نسبة 96,5 بالمائة من باقي أشكال العنف الأخرى .

نسب صادمة ومقلقة ذات الوقت، مع العلم أن هذا البحث الوطني أماط اللثام فقط عن الحالات المصرح بها من قبل النساء المعنفات، لكن الواقع يشي بأكثر من هاته النسب، فهناك معاناة صامتة للعديد من النساء اللواتي لم يستطعن البوح بما تعرضن له من عنف بشتى أشكاله .

فللعنف أشكال وألوان منها العنف المادي كالضرب والجرح، العنف المعنوي كالتحرش والسب، والعنف الاقتصادي، بل نجد العنف تطورت أشكاله بتطور المجتمع حيث أصبحت النساء تتعرض للعنف عبر الأنترنيت. فحسب البحث الوطني أعلاه بلغت نسبة من تعرضن لهذا النوع من العنف 13,4 في المائة .

كل هذا يحدث للمرأة في ظل دستور متقدم أنصفها وجعل لها من الحقوق ما يساوي تلك التي يتوفر عليها الرجل، في ظل عهد وقع فيه المغرب على مجموعة من المواثيق والعهود الدولية المناهضة للعنف ضد المرأة، لكن الغريب والمستغرب له في آن واحد هو كون العنف زاد استفحالا مع وجود قانون التحرش والعنف ضد النساء، هذ القانون الذي لم يعرف النور إلا بعد 15 سنة من تماطل الجهات المختصة وبعد جهد جهيد من نضالات وترافعات يومية للجمعيات النسائية مما يحيلنا على أسئلة من قبيل :

ما هي أسباب استفحال العنف ضد النساء ؟
هل المقاربة القانونية كفيلة للحد أو التقليص منه ؟

العنف ضد النساء ليس وليد العصر بل مورس على المرأة على مر العصور ، كونه نتاج فكر ذكوري يمنح الرفعة للرجل والوضاعة للمرأة، فكر يجعل من الجنس معيارا بين الرفيع و الوضيع، بين القوي و الضعيف، بين المدنس و الطاهر العفيف وهلم جرا، لذلك نجد المرأة تم التعامل معها بتمييز سلبي مند الأزل وقد سبق أن تحدثت عن هذا في مقال سابق تحت عنوان “عفوا المرأة إنسان” ولابأس من الإشارة لبعض أنواع العنف الذي تعرضت له المرأة في عصور قديمة، فمثلا نجد الإغريقيين أهانوا المرأة، احتقروها وجعلوها بضاعة تباع وتشترى بل وصل الأمر بهم إلى أن اعتبروها رجسا من عمل الشيطان فحرموها من الإرث وحق التصرف في الأموال .

أما الرومان فأذاقوها أشد أنواع التعذيب تحت شعار ”ليس للمرأة روح” كما قالوا عنها “إن قيدها لا ينزع و نيرها لا يخلع” فقيدوها بالأعمدة وسكبوا عليها الزيت الحار وربطوها بذيول الخيول  وجعلوا هاته الأخيرة تركض بأقصى سرعة إلى أن تفيض روحها. بل حتى تشريعات أرقى الحضارات السالفة تعاملت مع المرأة بعنف حينما حرمتها من حقوقها الكونية مانحة العزة والرفعة للرجل على حساب المرأة .

ومع تقدم الشعوب بدأ يرفع الحيف عن المرأة شيئا فشيئا لكن بقيت هناك تفاوتات بين الدول بالنسبة لمكانة المرأة، بحيث أصبحت مكانتها داخل مجتمعها هي المعيار الكاشف لمدى تقدمه .

وارتباطا بموضوع المقال أطرح سؤالا لماذ لم يرفع الحيف بعد عن المرأة المغربية بحيث لازالت تتعرض للعنف بهاته النسب الصادمة الواردة بالبحث الوطني أعلاه؟

هنا لابد من الإشارة أن العديد من التقارير سواء الوطنية أو الدولية تحدثت أيضا عن معاناة المرأة المغربية من العنف، عنف عمودي يتمثل في غياب إرادة سياسية حقيقية لتمكينها اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وعنف أفقي بتعرضها للظلم الاجتماعي بشتى أشكاله سواء في بيتها أو في الشارع أو في العمل….، مما يوحي بخلل يعرفه المجتمع المغربي، خلل ينهل من فكر ذكوري موروث تتشبع به الثقافة السائدة بالمجتمع كتحديد أدوار كل من الرجل والمرأة مع منح الأفضلية للرجل، فرض القيود على حريات المرأة وخياراتها وفرصها عن طريق الوصاية التي لازالت تمارس عليها، وقد نجد كذلك من أسباب العنف ضد النساء جهل المرأة بحقوقها وبالقوانين التي قد تحميها مما تعرض له وهنا أقول كيف للجاهل بحقه أن يطالب به؟

ولحماية المرأة من التحرش والعنف أصدر المشرع المغربي قانون 13_103 جرم من خلاله مجموعة من الأفعال واعتبرها عنفا ، لكنه وللأسف الشديد لم يكن عملاقا بل جاء معاقا وبه قصور كبير على مستوى النصوص، فهذا القانون لم يجرم العديد من الأفعال التي تضر المرأة ماديا ومعنويا والتي تصنف بالعديد من التشريعات الدولية في خانة العنف ضد المرأة كالاغتصاب الزوجي مثلا، لذلك فهذا القانون لم ولن يتمكن من حماية المرأة بشكل قاطع و نهائي بل يبقى فقط تدبيرا وقائيا نسبيا لما يمكن أن يحدث للمرأة من عنف وتحرش، فالحل لهاته المعضلة لا يكمن في الزجر والعقاب فقط بل يكمن في التربية والتنشئة أيضا سواء داخل الأسرة أو المدرسة، لهذا فالمقاربة القانونية يجب أن تلازمها في نفس الوقت مقاربة تربوية بشقيها التعليمي والأسري، فالقيم و المبادئ التي يتشبع بها الفرد سواء على مستوى الأسرة أو المدرسة تبقى الحكم الرئيسي في التعامل مع المرأة، لأنه ببساطة كيف لفرد تشبع بثقافة المجتمع غفور رحيم حليم مع الرجل ومقتص منتقم جبار مع المرأة أن يتعامل معها ؟