القسم الأخير من البحث :
تتمة الموضوع :
ثانيهما مفاده وجوب حماية الوضع الظاهر او ما يطلق عليه الأستاذ lyon gean gerard حماية الاعتقاد الخاطئ المؤسس la croyance erronée أي الاعتقاد الخاطئ الذي يوجد له أساس من الواقع يسبغ عليه نوعا من الحماية هذا المعنى يتضمن حكما عقليا او ذهنيا تكرسـه العديــد من النصـوص الوطنية والاتفاقات الدولية لا سيما اتفاقية فيينا في المواد من 85 الى 88 والتي تلقي التزامات على عاتق حائز البضاعة بالمحافظة عليها سواء اكان هو الطرف المتخلف عن تنفيذ التزاماته او الطرف الآخر الذي لم يتخلف عن هذا التنفيذ هذا الالتزام الذي يعد اهم صور التعاون والمروءة ، وتبدو اهم النتائج المترتبة على الاعتداد بهذه الإرادة في التقليل الملحوظ من دور الكتابة ، حيث لا تشترط المادة 11 من الاتفاقية ان يتم انعقاد عقد البيع او اثباته بالكتابة ولا يخضع العقد لأي شرط انعقاد ولا شرط اثبات في نطاق عقد البيع الدولي للبضائع ومن تم فالباب مفتوح امام الاعتداد بالإرادة الحقيقة للطراف ومن تم ضمان احترام مبدا حسن النية في التجارة الدولية لاسيما اذا اخذنا في الاعتبار ان الأطراف غالبا ما يستخدمون “عند كتابة عقدهم ” لكلمات مترادفة يمكن ان تحمل على معان مختلفة ومبدا حسن النية هو صمام الأمان عند تحديد المقصود بهذه الكلمات .
وفي هذا اشارت بعض القرارات التحكيمية على ضرورة الالتزام بحسن النية من خلال واجب التعاون والمروءة بين الأطراف ومنها القرار الصادر في القضية رقم 2443 لعام 1975 حيث أعلن المحكمون بانه ” يجب ان يعلم الأطراف جيدا ان التعاون بينهم هو الذي يسمح بحل كل المشكلات التي تواجههم يجد الالتزام بالتعاون والمروءة أساسه في مبدا حسن النية الذي يحكم تنفيذ العقود التجارية
وما نصت عليه أيضا محكمة التحكيم بغرفة التجارة الدولية بباريس بانه ” من الملائم التأكيد انه يوجد وبالتوازي مع النصوص القانونية لمختلف القوانين الوطنية في النطاق الخاص بالتجارة الدولية عادات ومبادئ التعاون والمروءة المفروضة على كل الممارسين الاقتصاديين للتجارة الدولية، حيث ان أطراف العقد الواجب الضمني بتسبيق جهودهم للتعاون وشرف التعامل والتنفيذ الدقيق لالتزامهم بحسن نية.
فهذه الاحكام التحكيمية تجد تبريرها في مبدا حسن النية الذي يدعم الثقة والتعاون والمروءة بين أطراف عقد البيع الدولي للبضائع.
الفقرة الثانية: مبدا التعسف في استعمال الحق في الالتزامات التعاقدية
التعسف في استعمال الحق باعتباره نظرية عامة فانه يقضي بمنع كل صاحب حق من ان يستعمل حقه على وجه يضر بالغير سواء قصد ذلك ام لم يقصد بصرف النظر عن طبيعة ذلك الحق
وعدم التعسف في استعمال الحق مظهر من مظاهر حسن النية ، بحيث ان من اهم تطبيقات فكرة التعاون والمروءة وجوب امتناع المتعاقد عن التعسف في استعمال حقه عند تنفيذ العقد كما لو نص في عقود البيع المثلية او المستقبلية التي لا تنتقل ملكيتها من البائع الى المشتري الا بعد فرزها ومطابقتها للعقد موافقة المشتري على ذلك ، فالمشتري الذي يرفض العقد قبل موعد تسليم البضائع يكون قد منع لانتقال ملكيتها عمليا ، لان هذه الملكية لا تنتقل الا بموافقة المشتري وهذا يعني ان البائع لا يمكنه الاستمرار في تنفيذ العقد دون ان يتعاون المشتري معه .
فاذا كانت الاتفاقية تعطي لكل طرف من أطراف العقد عند امتناع الطرف الآخر عن تنفيذ التزاماته العقدية حق التمسك بالفسخ، فإنها تشترط في مقابل ذلك ضرورة التقيد بمبدأ حسن النية في العقود في مرحلة انهاء العقد، الذي تمنع المتعاقد صاحب حق الفسخ من ان يستعمله على وجه يضر بالمتعاقد الآخر والا اعتبر متعسفا في استعمال حق الفسخ مما يتناقض و مبدا حسن النية في استعمال الحقوق العقدية.
وبما ان التعسف في استعمال الحق ضرب من ضروب اختلال التوازن بين اطراف العقد فهي سبب وجيه لوجود نزاع وهنا يأتي دور المحكم الدولي اعتمادا على ما يتمتع به من سلطة تقديرية والتي تتلخص بوجه عام في النشاط الذهني الذي يقوم به من اجل فهم الواقع المطروح عليه واستنباط العناصر التي تدخل في نطاق القاعدة القانونية التي اقرتها مقتضيات الاتفاقية والتي تقر بمبدأ حسن النية فيسعى لتطبيقها خاصة مقتضى التعاون والمروءة كاهم سمتين لدرء التعسف في استعمال الحق .
وعودا على ذي بدء فان الاتفاقية عندما وضعت النص الذي يعالج التعسف في استعمال الحق جعلتها نصوصا مجردة وعامة، لأنه ليس في مقدروها ان تتوقع جميع الحالات التي تحكمها وان يتصور جميع الملابسات والظروف لذلك فلا مناص من اللجوء الى سلطة المحكم التقديرية بدءا من مرحلة معاينة الوقائع عن طريق إقامة الدليل عليها وتفسيرها، ومرحلة التكييف الى مرحلة استخلاص النتائج القانونية مع اضفائه للمسحة الأخلاقية خاصة مبدا حسن النية والدي يعد التعاون والمروءة اهم تطبيقاتها .
خاتــــمة
يعد مبدا التعاون والمروءة أحد المبادئ العامة التي تقوم عليها اتفاقية فيينا، اذ يجب ان يعطى للمبدئين تفسيرا واسعا بالرغم من ان النص ورد مقترنا بعبارة “التفسير ” فانه يطرح مبادئ عامة يلزم كل ذي شان في عقد البيع الدولي، فيلتزم القضاة والمحكمون على حد سواء اثناء تفسيرهما لشروط العقد ويلتزم به المتعاقدون وهم يبرمونه وينفذونه.
وبذلك يمكن القول بأن مبدا التعاون والمروءة يلعبان دورا مزدوجا فهما لا يقتصران على تفسير نصوص الاتفاقية بل يعدان قاعدتان من القواعد الرسمية التي ترتكز عليها ،بمعنى آخر ليستا قاعدتان خاصتان بالتفسير بقدر ما هما موجهان لأطراف المعاملات التجارية الدولية وتوجب عليهما مراعاتهما عند التعامل ، حيث أن اللجوء اليهما قد يخفف الكثير من صرامة بعض النصوص القانونية والتي قد يؤدي التقيد بها الى ما يخالف روح العدالة وجوهرها وهذا ما أكده حكم التحكيم الصادر عن غرفة التجارة الدولية بانه ” من بين المبادئ الأكثر عمومية هو بلا شك مبدا حسن نية الذي يعد التعاون وشرف التعامل اهم مقتضياتها والذي يوجد في كافة الأنظمة القانونية سواء وطنية كانت او دولية ، بحيث يعد حسن النية بالفعل قانون التجار الدولي ، فحسن النية مفترض دائما ويجب ان يهيمن على ابرام العقود كما يهيمن على تنفيذها وبهذا يلتزم اطراف العقد الدولي للبضائع لمبدا التعاون والمروءة لعرض إقامة نوع من التوازن بين القوة الملزمة للعقد وبين توفير الحد الأدنى من الثقة والأمان ، بحيث يكون كل طرف حريصا على مصالح الطرف الآخر كحرصه على مصالحه الشخصية بقدر الإمكان .
والى تحقيق هذه الغاية فان احكام التحكيم الدولي تؤكد على ان مبدا التعاون والمروءة كأهم معاني مبدا حسن النية يعدان التزاما يقع على عاتق الأطراف ولعل حكم محكمة التحكيم الهنغارية الصادر عام 1995 أبرز مثال على ذلك حيث تقرر ” ان مبدا حسن النية يعد من أحد المبادئ العامة في التجارة الدولية ولا يجوز للأطراف استبعادها ومقتضياتها “.
ذة لطيفة بوروضا باحثة قانونية
_________________________________________________________________________________________________________
لائحة المراجــع :
- الكتب باللغة العربية :
- سلامة فارس عرب –اختلال توازن العقود الدولية في قانون التجارة الدولية -ط 1999.
- محسن شفيق – دراسة في قانون التجارة الدولية –دار النهضة العربية القاهرة ط 1988.
- تقي عبد النور –القوة القاهرة وآثارها في عقود التجارة الدولية -.
- نزيه المهدي-الالتزام قبل التعاقدي بالأدلاء بالبيانات المتعلقة بالعقد وتطبيقاته على بعض أنواع العقود –دراسة فقهية مقارنة -القاهرة 1982.
- -احمد شرف الدين –تسوية منازعات عقود الانشاءات الدولية -ط 2001.
- بوعشة ” التكامل والتنازع في العلاقات الدولية الراهنة ” دار الرواد طرابلس ليبيا ط 01 1999[9]
- الكتب باللغة الأجنبية :
- ALCURIE (ph) et aynes ‘l) droit civil les obligations picodcy le devoir de 1993/1994 editioncujacd paris
- RIPERT –la règle morale dans les obligations civiles L G D J 4 ed paris 1949
§ TAHARD AOUDI –pratique de l impotimpimerie el maarif 1991
§ BATIFFOL,le pluralisme des méthodes en droit international privé, rec., des cour, T02, 1973,107
- Jarosse Charles la notion d’arbitrage L.G.D j Paris 1987 p 372
- MAYER [P] l’autonomie de l’arbitrage international dans l appréciation de sa propre compétence .recueil des cours op cit p329
- BQTIFFOL [H] l’arbitrage et les conflits de lois revues de l’arbitrage 1975
- Morin Gérard le devoir coopération dans les contrats internationaux droit et pratique du commerce international 1980 p 13
- [1]JTHIEFFRY LES NOUVELLES REGLE DE LA VENTE INTERNATIONAL REV D.P.C.L1989P 163
- الرســــــائل :
- رسالة دكتوراه ” حول نظرية عامة لمبدا حسن النية في المعاملات المدنية ” السيد بدوي جامعة القاهرة سنة 1989 .
- مذكرة لنيل درجة الماجستير في القانون الخاص –التعسف في استعمال حق الفسخ في العقود -2015
- النصوص القانونية:
- القانون المدني المصري
- القانون المدني الفرنسي
- القانون المدني الألماني
- القانون المدني الإيطالي
- القانون السويسري
- قواعد اتفاقية فيينا بشأن البيع الدولي للبضائع 1980
- المجــــــلات
international review of law
[1]سلامة فارس عرب – مرجع سابق ص 313
[2]المواد من 374 الى 488 من القانون المدني المصري
[3]محسن شفيق -اتفاقية الأمم المتحدة – فقرة 358 ص 267 وما بعدها
[4]سلامة فارس عرب – مرجع سابق – ص 316
[5]تقي عبد النور – القوة القاهرة وآثارها في عقود التجارة الدولية ص 223
[6]احمد شرف الدين – مرجع سابق – ط 2001 ص 151
[7]مذكرة لنيل درجة الماجستير في القانون الخاص بن يوسف بن خدة –كلية الحقوق –سعيد حمدين –التعسف في استعمال حق الفسخ العقود – 2015 ص
[8] مذكرة لنيل درجة الماجستير في القانون الخاص –التعسف في استعمال حق الفسخ في العقود -2015 ص 86