التعاون والمروءة في الوسائل البديلة في اتفاقية فيينا


الأستاذة لطيفة بوروضا

تمهيـد:

حرصت الشريعة الإسلامية ومن بعدها جل الأنظمة القانونية المقارنة على تنظيم العلاقات بين افراد المجتمع على أسس من التعاون والتفاهم المتبادل والمروءة بعيدا عن الاضرار بالآخرين اعمالا للقاعدة الشرعية “لا ضر ولا ضرار” ومن منطلق ديني واخلاقي فقد الزمت جل الأنظمة القانونية  بضرورة البعد عن كل فعل او قول من  شانه ان يرتب ضررا للغير، وقصدت تحقيق هذه الغاية النبيلة انطلاقا من القاعدة الأخلاقية العامة “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ” ، وهو مبدا تشريعي يتضمن السعي نحو تحقيق العدالة في كافة المعاملات بن الافراد انطلاقا من الالتزام بمبدأ حسن النية على اعتباره من الالتزامات الشرعية والقانونية التي تتضمن الزام المتعاقد بان يكون صادقا وامينا ويلتزم بالتعاون ومساعدة الطرف الاخر والتحلي بشرف التعامل والمروءة في اطار احترام النظام وصدق التعهدات .فبعد أن كرست جل الأنظمة الدولية المبدأ الدي تشيدت عليه نظرية العقد وهو”القوة الملزمة للعقد ” la force obligatoire du contrat “والذي يعني فيما يعني الزام العاقد بكل ما جاء فيه فالعقد وفقا له يتضمن قوة تحتم على طرفيه الرضوخ والاذعان الى كل ما يحتويه ، بات من الضروري التأكيد على أن هذا المبدأ يتعين ان يتوافق مع ما توجبه مقتضيات النظام الأخلاقي الذي يحيط بالروابط الاقتصادية والاجتماعية في كل دولة ، لا سيما في الحالات التي تضطرب فيها اقتصاديات العقد في وقت لاحق على تاريخ انعقاده .لذلك نجد جل الأنظمة القانونية حملت اطراف العقد بواجب الأمانة التعاقدية « le devoir de loyauté contractuelle » أوما يطلق عليه مبدا حسن النية في تنفيذ الالتزامـــات التعاقدية  وواجب الأمانة التعاقدية يسمح بإدخال القواعد الأخلاقية في نطاق علم القانون فهو يهدف الى ضمان العلاقة التعاقدية في الفروض التي تؤدي فيها شروط العقد الى الاجحاف بحقوق احد الأطراف او الى تحميله بالتزامات لم تكن تدخل في دائرة التوقع المشروع له ابان انعقــــاد العقد  .هكذا وواجب الأمانة التعاقدية يراقب في جل العقود التعاون والتضامن والمروءة اللازمة التي يتعين ان يبديها كل من المتعاقدين تجاه الاخر بقصد تحقيق الأغراض التي سعيا الى تحقيقها من وراء ابرامهما للعقد .ووفقا للعميد]RIPERT في مؤلفه ذائع الصيت عن ” القاعدة الأخلاقية ” في الالتزامات “فإن حسن النية يعد واحدا  من اهم الوسائل المستخدمة سواء عن طريق المشرعين او القضاة او المحكمين لتغلغل القاعدة الأخلاقية في القانون الوضعي  ، ولعل هذا ما كرسته مقتضيات المادة 7 من اتفاقية فيينا 1980 حيث نصت على  أنه ”  يراعى ضمان احترام حسن النية في التجارة الدولية ” فاحترام حسن النية بتفسير اتفاقية فيينا لا يتجاوز المعنى الاخلاقي والذي يعني فيما يعني – وجوب الوفاء بالوعد –الأمانة– الثقة المشروعة –الإخلاص– حسن الأداء وحسن الاقتضاء – شرف التعامل او المروءة –التعاون .ولا شك ان القاضي او المحكم عند تفسير شروط العقد يستعين بهذه المبادئ ويلتزم بها المتعاقدون عند ابرامهم للعقد وعند تنفيذه  ويعد مبدا التعاون والمروءة احد ابرز مقتضيات مبدا حسن النية ، على اعتبار انهما يتجهان الى إيجاد نوع من التوافق والتعايش بين المصالح الاقتصادية المتعارضة للأطراف واحترام روح العقد ، فتمتع عقود التجارة الدولية بالأهمية الاقتصادية الكبيرة وطول مدتها يعد مصدرا من مصادر واجب التعاون والمروءة بين الأطراف ذلك ان أهميتها لا تقتصر على اطراف العقد فحسب بل تمتد الى الدول التابع لها هؤلاء الأطراف وتنصب على ابرام صفقات ضخمة يجري تنفيذها خلال اجل طويل ، وعليه ليس من الملائم ان لا يكون هناك تعاون بين اطراف العقد .والى هذا المعنى أشارت مبادئ اليونيدرا وذلك في المادة 5-1-3 على انه ” يلتزم كل من طرف بالتعاون مع الطرف الاخر، كلما كان هذا التعاون متوقعا بشكل معقول عند تنفيذ احد الأطراف لالتزاماته  .وأيضا ما أشار اليه حكم التحكيم الصادر عن غرفة التجارة الدولية بباريس على ان ” رفض الاقتراحات المقدمة من المدعي وقطع المفاوضات من قبل المدعى عليه لا يعد خطأ مستوجبا للمسؤولية طالما أن هذا العدول والرفض قد تم بحسن نية وكان مبررا طبقا للمبادئ المعمول بها في العمل الدولي .فانطلاقا من أهمية مبدا التعاون والمروءة في عقد البيع الدولي للبضائع فماهي اذن مظاهر الالتزام بهما  ؟
وماهو نطاق تطبيقها من قبل المحكمين الدوليين ؟
إشكالية الموضوع :
مظاهر الالتزام بمبدأ التعاون والمروءة على ضوء اتفاقية فيينا ونطاق تطبقيها في التحكيم التجاري الدولي .
لاستعراض هذا الموضوع واستجابة لدواعي منهجية ارتأيت تناول الموضوع وفق مبحثين:

  • المبحث الأول: التعــــاون والمـروءة على ضـــوء اتفاقيـــــة فيينــــــــا
  • المبحث الثاني : تطبيق مبدا التعاون والمروءة في التحكيم الدولي على ضوء اتفاقية فيينا
    يتبع في العدد القادم
    الأستاذة لطيفة بوروضا باحثة قانونية 

Ad image