بقلم : دكتور عبدالله بوصوف
يُمكن لجائحة كوفيد 19 ان تُـخلف ضحايا في الأرواح ، ان تُـهدد استقرار سوق المال و الأعمال ، ان تُـهدد اقتصاديات قوية و هشة ، ان تُـساهم في انهيار أنظمة صحية و اجتماعية ، و ان تَـعبث بمعادلات جيوسياسية و تُـعيد ترتيب التحالفات الاستراتيجية العالمية…
لـكـن لا يُـمكننا ان نسمح لها بان تهـز ثـقتـنا في أنـفسنا و في مؤسساتنا…لا يُـمكننا ان نسمح لها بالـنيل من رأسمال الأمل في مستقبل العيش الكريم و الصحة و التعليم بجودة عالية… فغريزة حب البقاء و الثقة و الأمل مجتمعة هي القوة الداخلية الرهيبة الساكنة في الإنسان و التي كانت محفزة له في التغلب على صعوبات كثيرة و على أوبئة و أمراض معدية عرفتها الإنسانية منذ القديم…
فجائحة كورونا لم تكن الأولى ولن تكن الأخيرة…فـقد عرف التاريخ الإنساني قـبلها أوبئة أشـد فـتكـا بضحاياها من بني البشر ، و يكفي ان نذكر ببعضها ، ” كطاعون جيستينيان ” في عهد الإمبراطور البيزنطي جيستينيان حيث خلف الطاعون حوالي 4 ملايين ضحية داخل الإمبراطورية وهو ما ساهم حسب المؤرخين في إضعاف و نهاية الإمبراطورية البيزنطية..
و ” الطاعون الأسود ” بين سنوات 1346 و 1353..حيث انتقلت نسبة سكان أوروبا من 80 مليون نسمة الى 30 مليون نسمة…
و ” فيروس الجدري ” المعدي الذي انتشر في أوروبا و انتقل الى العالم بفعل العمليات الاستكشافية ، و ستعرف سنة 1977 تسجيل آخـر حالـة بعد اكتشاف لقاح ضد فيروس الجدري من طرف edward jenner..
و ” الانفلونزا الإسبانية ” التي اكتشفت في أمريكا في مارس 1918 ، لكنها عُـرِفت بالأسبانية ، لكون اسبانيا هي أول دولة كشفت عن وجودها ، و لانها لم تكن طرفا في الحرب ع الأولى فهذا يعني انها لم تكن معنية بالسرية و الخوف من انتشار الهلع وسط الجنود ، و قـد انتشرت في دول العالم بفعل تحرك الجنود و خلفت اكثر من 50 مليون ضحية وهناك من يقول 100 مليون ضحية ، و بمعنى اكثر وضوحا ان عدد ضحاياها فاقوا بكثير عدد ضحايا الحرب العالمية الأولى نفسها..ثم هناك ” الانفلونزا الآسيوية ” و ايضا ” إنفلونزا هونج كونغ ” وغيرها…
لكن إذا كنا نحن اليوم نعيش في عصر التطور التكنولوجي و ثورة رقمية مهـولة ، جعلت من العالم بالفعل ” قرية صغيرة ” تُـمكننا من رصد رقعة امتداد فيروس كورونا و أيضا تبادل المعلومات بين المختبرات و التجارب و الاحصائيات، و أيضا كيفيات وقف امتداد الفيروس ، و التعاون و التنسيق بين الأنظمة الصحية العالمية و تقديم المساعدات سواء الطبية او المالية أو الغدائية من اجل التغلب على تداعيات فيروس كورونا…
فكيف كانت عليه حالة سكان العالم أثنـاء ” الانفلونزا الاسبانية ” مثلا ، و التي تزامنت مع احداث تاريخية مهمة كالحرب ع الأولى ، و أيضا تداعيات الثورة الروسية او ” ثورة الخبز سنة 1917 “..وهي احداث خلفت بدورها قتلى بالملايين و تحولات سياسية كبيرة..؟
وهـل يُـمكننا الـقول باننا اليوم محظوظين بنعمة الثورة الرقمية و بالتالي فسكان العالم يعرفون في نفس الوقت الإحصائيات و التداعيات و نتائج التجارب و المختبرات و يتم التنسيق من اجل تخفيف الخسائر سواء على المستوى البشري او المادي.. ؟ أم ان ” الانفلونزا الأسبانية ” كانت سببا في الدفع في تبني دول العــالم لـعنصر الشفافية في نشر المعلومات حول الأوبئة تفاديا لانتشاره خارج الحدود..؟
وهل إصدار احصائيات جائحة كورونا من طرف مؤسسات رسمية في الصحة و انطلاقا من مؤسسات الاعلام الرسمية للدولة هو من اجل محاربة ” الفايك نيوز “…؟ أم يخدم عامل الشفافية (الذي غاب في زمن إنفلونزا الاسبانية ) و بالتالي ترسيخ عالم ثـقـة المواطن في مؤسسات الدولة وهو ما يشكل ضمانة لـتطبيق المواطن لكل تعليمات مؤسسات الدولة بما فيها الحجر الصحي و كذا التدابير الوقائية الأخرى…؟
اننا نعيش و بكل موضوعية نتائج ” المفهوم الجديد للسلطة ” الذي أعلن عنه صاحب الجلالة الملك محمد السادس منذ عشرين سنة…و منازلنا نعيش تفاصيله في شكل صور و مواقف حضارية كل يوم مع نساء و رجال السلطة في الشوارع و الأزقة من اجل التطبيق السليم للحجر الصحي في حربنا على فيروس كورونا…
و نعيش و بكل موضوعية مجهودات رجالات الدولة المغربية ، بعيدا عن أي انتماء حزبي ضيق أو اجندة سياسية…مجهودات قـويـة لـمسناها في قطاعات الصحة و التعليم…
كما نعيش فصول حضارية من التضامن بين النسيج الاجتماعي المغربي والتكافل الاجتماعي بسواعد رجالات جمعيات المجمتع المدني…بتقديمهم لمساعدات غدائية و عينية للفئات الهشة و الغير المهيكلة و التي تضررت كثيرا من تداعيات جائحة كورونا…
كما اننا نعيش مثالا رائعا للوطنية من طرف مغاربة العالم بمساهماتهم في كل مبادرات التضامن الاجتماعي سواء بالمغرب او بدول المهجر من جهة …و كذلك كـسفراء مغاربة بصفتهم المهنية و الوظيفية كأطر طبية في مستشفيات دول الاستقبال او خبراء في مختبرات طبية أو مجتمع مدني بالمهجر…
ان كل هذه المعطيات الواقعية و الموضوعية تجعلنا نتوفر على رأسمال قوي من الثقة في مؤسسات الدولة و في المواطن سواء داخل المغرب او من مغاربة العالم، و تقوي من أملنا في العبور القريب بكل ثبات و قوة لمرحلة ما بعد زمن كورونا…لانه لربح أي معركة لا يكفي فقط الاستعداد المادي ، بل كثيرا ما شكل الاستعداد النفسي عنصرا حاسما للمعركة…وهو ما يدعونا الى تقوية الجانب النفسي للمواطن بالثقة في مؤسسات الدولة وأنه يمكننا الانتصار بمقاربة تشاركية و بمسؤولية مشتركة…