أصدر معهد هوفر للتفكير الاستراتيجي كتابا حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعنوان “الحكامة في عالم جديد وناشئ” يعالج التطورات التي يشهدها جراء الربيع العربي وإعادة تشكيل الخريطة جيوسياسية العالمية. وتميز بدراسة مطولة للأمير المغربي مولاي هشام العلوي بعنوان “الشباب والتكنولوجيا والتغيير السياسي في العربية السعودية” يتطرق الى مستقبل هذا البلد على ضوء مشروع ولي العهد محمد بن سلمان الذي يصفه بمحاولة “التحديث بدون حداثة”.
ويستعرض البحث زاويتين أو منظورين لرؤية دور والطاقة السياسية للشباب السعودي، الأول متفائل ويعتبر الشباب محرك التقدم لبناء مرحلة ما بعد النفط التي تتلخص في رؤية 2030 التي طرحها ولي العهد، وستصيغ أواصر وحدة وطنية متجددة تحت سقف آل السعود، وستعطي للبلاد موقعا جديدا دوليا.
ويقوم المنظور الثاني على الحذر عبر إبراز وزن الشباب الذي يشكل الأغلبية ويتميز بمستواه التعليمي واستعماله القوي لآليات التواصل التكنولوجي الرقمي. هذا الشباب منشغل بوعود السلطة بتوفير فرص اقتصادية، وهو ما تفتقر له البلاد في الوقت الراهن. وبالتالي، يتساءل كيف ستضمن الدولة طاعة هؤلاء الشباب، علما أن التجربة المعاصرة تربط الشباب بالانتفاضات. هذا المنظور يجعل الاقتصاد السعودي مرتبطا بالنفط واستمرار هيمنة النخبة الملكية المعادية للتغيير وأن التكنولوجيا ليست كفيلة لوحدها بتفادي عدم وقوع تغييرات مؤسساتية من الناحية السياسية. ولا يعتبر الشباب هو الشريحة الوحيدة التي لم يتم تلبية تطلعاتها من طرف الدولة الجامدة وأن التغيير قادم لا محالة ولكن من أين ولأي هدف، هو ما يبقى مجهول.
وتلعب التكنولوجيا (وسائل التواصل الاجتماعي أساسا) دورا هاما في اتجاه أو آخر ولكن في اختلاف جذري. ويأتي ذكرها بشكل عادي في منظور ولي العهد السعودي أو خطابات الدولة، تجعل المجتمع السعودي يتميز ببنيات متطورة تكنولوجيا تجعله في مصاف الغرب وتجعل الشباب مستهلكين منضبطين. بينما في الاتجاه الآخر يتم تجاوز مفهوم الدولة للتكنولوجيا، وتصبح ميكانيزم للحياة الاجتماعية اليومية، وتمنح سلطة للشباب-المواطن اليائس وقليل التسامح مع وعود الإصلاح الفارغة. وفي ظل التحذيرات، هذا لا يعني أن الشباب السعودي سيكون ريادة التغيير في المرحلة المقبلة من الربيع العربي بل هو نتيجة الوضع الاقتصادي الحالي وقد يكون في مصلحته الحفاظ عليه، أو أن كل رافض للوضع الحالي فهو يهفو الى الديمقراطية خاصة في الوضع الحالي حيث تقدم روسيا والصين نماذج دولة بديلة عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ولكن يبقى الأساسي هو وجود ثنائية الشباب-والتكنولوجيا في السعودية قادرة على أن تولد الشكوك والتقلبات السياسية.
ويستعرض الأمير الأرقام الخاصة بالشباب السعودي خلال العقد الأخير، مركزا على غياب معطيات دقيقة حول المواقف السياسية للشباب بسبب رفض السطات السعودية الترخيص بإجراء أبحاث لاسيما من طرف مراكز أجنبية. ورغم ذلك فقد أنجزت دراسات اعتمادا على شبكات التواصل الاجتماعي تبرز مدى انشغال هذا الشباب بأوضاعهم الداخلية أكثر من قضايا خارجية مثل حرب اليمن، وقد يكون طبيعيا بسبب مستوى البطالة المرتفع وغياب الآفاق. وتزداد وضعية الشباب سوءا بما في ذلك انعكاسات سلبية على مخطط 2030 بسبب ضعف العائدات النفطية وفشل النجاح في قطاعات بديلة وفشل “سعودة” مناصب العمل خاصة في القطاع الخاص الذي يشكل فيه الأجانب 80%.
في سعبه الى إرساء نظامه السياسي، ينص مشروع بن سلمان على جعل الشباب مستهلكين منضبطين في ظل استقرار وعدم مساءلة نمط التنمية أو شرعية النظام، وعليه يراهن على عملية تحديث بدون حداثة. يرغب في تحقيق مظاهر التقدم المادي والانسجام الاجتماعي ومميزات الليبرالية مثل تقليص دور الدين وتشجيع المساواة ولكن بدون تكاليف سياسية المرتبطة بالحداثة. ويبرز الأمير في بحثه هذا أن الاستقرار الطويل والمتين يتطلب صياغة علاقة جديدة بين الدولة والمجتمع، أي عقد اجتماعي جديد أكثر استدامة.
ويؤكد البحث كيف يحاول النظام السعودي الاستفادة من نموذج الصين التي توفقت في التحديث مع الحفاظ على مركزية الحزب الشيوعي كعماد للدولة، لكن البحث يؤكد صعوبة النموذج نظرا للاختلافات العميقة بين الصين والسعودية تاريخيا واجتماعيا وعلميا.
في غضون ذلك، عدم التطابق بين هذه الاستراتيجيات الاقتصادية والأهداف السياسية للنظام السعودي ومن جهة أخرى إمكانيات الشباب المتعددة وما توفره التكنولوجيا، إما سيؤدي الى التغيير أو الى عدم الاستقرار. وهذا يعني عدم الدمقرطة وعدم حدوث الثورة. ويعني هذا شكوك يقينية بشأن مشروع التحديث الذي يتعهد به ولي العهد بن سلمان.
ومن ضمن الاحتمالات لتفادي هذا الوضع، هو السماح بتعددية متحكم فيها على شاكلة الملكية الأردنية والمغربية تسمح بنوع من الانفراج لكن مع الحفاظ على أسس السلطة الملكية بدون تغيير. هذا سيضفي شرعية على الملكية كقوة تجديد وإصلاح. لكن توجد مشكلتان في المشهد السياسي السعودي الحالي، الأولى وهو ضمن تجسيد مشروعه، قام ولي العهد بإقصاء عدد من الفاعلين في الدولة ورجال الأعمال وفروع من العائلة الملكية. وعليه، كل محاولة لتخفيف الضغط سيمنح الفرصة لخصومه للرد عليه. والمشكلة الثانية هي ضرورة التخلي عن المغامرات السياسية والحربية الخارجية مثل حرب اليمن التي كلفت السعودية ماليا وسياسيا وسمعتها دون جني فوائد. وينهي الأمير مقاله بانتظار هل السعودية قادرة على تجاوز هذه التحديات.