استقلال النيابة العامة / ذة . أمال حماني

لماذا يجب أن تستقل النيابة العامة عن وزارة العدل ؟
الى وقت قريب كنت أعتقد أن مسألة إستقلالية النيابة العامة عن وزارة العدل محسوم في أمرها ، لكن في الأونة الأخيرة عاد هدا النقاش ليطفو من جديد على السطح بعد أن خرج السيد وزير العدل بتصريحات تحذر من هيمنة دولة القضاة و تبشر الجميع بأنه إتخد جميع التدابير الكفيلة بالتصدي لها _في إشارة الى القانون الأساسي للقضاة المعروض أمام البرلمان حاليا_
وقد لاقت تصريحاته هاته ترحيبا من لدن عدد لابأس به من البرلمانيين و بعض الحقوقيين اللدين لا يتحملون فكرة إستقلال السلطة القضائية ظنا منهم أن تجسيدها واقعيا سيعصف بمستقبلهم السياسي و سيحرمهم من المكتسبات التى راكموها على مدى عقود من تبعية الجهاز القضائي الشبه مطلق للسلطة التنفيذية
لتنطلق بعد دالك حمالات شرسة ضد أستقلال السلطة القضائية في محاولة يائسة لإستغلال الظروف التي كان يعيشها النادي في الوقت الراهن للإلتفاف على جل المكاسب و الحقوق التي سبق الإعتراف بها له في وقت سابق و للتحلل من الإلتزمات التي فرضها الحراك القضائي على السلطتين التنفيذية و التشريعية
و بدأنا نسمع بعض البرلمانيين من الأغلبية الحكومية و بعض الإعلاميين التابعين لهم يتسألون عن الجدوى من الفصل بين السلطة القضائية وباقي السلط لاسيما في الشق المتعلق بجهاز النيابة العامة حيث لا يعدو أن يكون هذا الأخير _ في نظرهم _مجرد جهاز إداري يتولى تسيير الأشغال القضائية و لا يملك سلطة الفصل في النزاعات و لا إصدار الأحكام لدى يتعين إبقائه تحت وصاية و مراقبة وزارة العدل حتى لا يكرر المغرب الخطاء الدي وقعت فيه إسبانيا عندما سمحت بإستحواد السلطة القضائية على باقي السلط
و حتى لا يتحول هدا البلد الى دولة للقضاة ، متناسين مجموعة من المعطيات التاريخية و الواقعية والسياسية و القانونية التي تفرض أستقلال النيابة العامة عن وزارة العدل فرضا لأن لا مناص من دالك إن اردنا حقا أن نحترم المنطق و نؤسس فعلا لدولة الحق و القانون
و من أهم المعطيات التي يمكن أن نحتكم اليها لتبرير هدا الإستقلال ما يلي :
– قبل الحماية كان القاضي أو الحكم يقوم بجميع المهام التي تجعله يتيقن من تبوت الفعل في حق المتخاصم أمامه للبت في النازلة كيفما كانت طبيعتها سواء مدنية أو زجرية بما في دالك المهام التي تندرج ضمن إختصاص النيابة العامة في الوقت الحاضر
و بعد الحماية و تأسيس المحاكم المخزنية تم تكليف المندوبين المخزنيين بمقتضى ظهير 24/10/1953 للقيام بمهام النيابة العامة و قد تمتعوا بصلاحيات واسعة في هدا الإطار منها ما هو قضائي و ما هو إداري
– في إطار قانون المسطرة الجنائية الحالي يمكن لرئيس المحكمة في حالة غياب وكيل الملك أو من ينوب عنه لأي سبب كان أن يكلف أحد القضاة للقيام بمهامه طبقا لمقتضيات المادة 46 فلا مجال للحديث عن التخصص القضائي في نظامنا القضائي بحيث أن القاضي يتدرج خلال مساره المهني بين القضاء الجالس و القضاء الوقف فكل القضاة تقريبا مارسوا في فترة من الفترات عمل النيابة العامة
– على مستوى التكوين : نجد أن جميع القضاة يجتازون نفس المباراة لولوج سلك القضاء و يدرسون جميعا في المعهد العالي للقضاء و يخضعون لنفس المناهج و لنفس الشروط سواء على مستوى إختبارات التخرج أو طريقة التعين حيث إن الجميع يتم تعينه بظهير ملكي أو حتى على مستوى الترقية و التأديب و التقاعد
– في إطار دستور 2011 إستعمل المشرع نفس الصيغة في معرض حديثه عن السلطة القضائية من قبيل ( القاضي )(القضاة)(القضاء) في الفصول (57، 67، 109،110، 111، 113،115 ) ولم يشر الى ما يدل على عدم إعتبار قاضي النيابة العامة من ضمن السلطة القضائية
– أمر جلالة الملك محمد السادس خلال إفتتاحه الدورة الأولى من السنة الشريعية التانية بتاريخ 12/10/2012 البرلمان بالإلتزام الدقيق بروح و منطوق مقتضيات دستور 2011 عند التصويت على النصوص التنظيمية التي تهم السلطة القضائية و النظام الأساسي للقضاة
كما حث هيئة الحوار حول إصلاح منظومة العدالة على جعل إستقلال السلطة القضائية الحجر الأساس في التوصيات التي ستخرج بها
-إعتبار وزير العدل رئيسا للنيابة العامة و تمتيعه بصلاحية توجيه تعليمات لها سيفتح الباب واسعا أمام تسيس القضاء و الزج به في غمار الحروب الحزبية و الممارسات السياسية و سينسف أسس النزاهة و الحياد و العدل و الإنصاف و يفرغ مفهوم دولة الحق و القانون من محتواها
فلا يخفى على أحد أنه كلما إختلط ما هو سياسي بما هو قضائي أختل العدل و غاب الحياد الدي يعتبر جوهر القضاء و غايته لاسيما أن النيابة العامة بإعتبارها تدافع عن المجتمع بمفهومه الواسع تتدخل في العمل القضائي من بدايته الى ما بعد نهايته وتتحكم في جل أطواره
ويكفي أن نعلم أن هدا الجهاز كان بمثابة المرآة التي عكست التطورات التاريخية التي مر بها المغرب على مدى عقود بدءا من عهد الحماية حيث كانت جل الأحكام القضائية الصادرة خلال هده المرحلة تصب في صالح سلطات الإستعمار الى فترة الستينات و السبعينات التي إتسمت بتغول السلطة التنفيذية و التهامها لإختصاصات السلطة القضائية التي بقيت الى حدود قريبة تأن في الظل تحت وصاية الحكومات المتعاقبة