إلى متى سنبقى هكذا ؟

تضاربت الآراء وكثرت التحاليل حول واقعة “أستاذ خريبكة” وانقسمت بين مؤيد ومعارض لسلوكه، مما أدى إلى زوبعة حيرت الرأي العام، فاختلطت عليه الأمور وضعفت لديه الرؤيا.
لكن حسب رأيي المتواضع هي زوبعة صحية، فبعد هذا النقاش المستفيض الذي طال مؤسسة تعتبر ركيزة أساسية لبناء أي مجتمع، هي مؤسسة التربية والتكوين، وبعيدا عن الأستاذ وسلوكه وعن التلميذة وشغبها.
سؤالي: من أين جاء هذا الثنائي؟ من أنجبه ؟ أليست المدرسة والأسرة ؟
عيبنا أننا نناقش النتائج ولا نناقش الأسباب، فالأستاذ إنسان أولا وقبل كل شيء تكوينه من دم ولحم وجهاز عصبي، له حدود يقف عندها إلا من رحم ربي، والتلميذ نفس الشيء، لكن ينقصه النضج الكافي، وهو خيط رفيع للتمييز بين المكان والزمان الذي يمكن أن يمارس فيه طفولته أو طاقته الزائدة للعب والمشاكسة.
سؤالي: ماذا قدمنا للأستاذ حتى يكون في المستوى المطلوب كمعلم نموذجي مسؤول، مدرك لصعوبات وخبايا مهنته؟.
ما الوسائل المادية والمعنوية التي وفرت له حتى يكون محصنا أمام أي انزلاق أو تسيب أثناء مزاولة عمله؟.
ما هي الظروف التي تربى عليها الأستاذ وعايشها سواء داخل أسرته أو المدرسة إلى مرحلة تكوينه؟
ما الأسلحة التي تزود بها في مرحلة تكوينه ليعتمدها في سياسته المهنية؟
هذا بطبيعة الحال بالنسبة للأستاذ الذي سبق له أن حصل على تكوين أكاديمي وحيد في مجال التربية والتعليم قبل تخرجه، ماذا عن الأستاذ المتعاقد؟ وهنا أنذب حظ مؤسسة التعليم لما سلط عليها ممن لا يفقه ولا يعلم شيئا لا في التربية ولا في التكوين، وهنا لا أنتقد الأستاذ المتعاقد فهو معذوروعذره يشفع له، حديثي موجه للمسؤولين أصحاب الأفكار النيرة التي أتت على ما تبقى في هذا القطاع، مما جعل التراجع المعرفي والقيمي السمة البارزة التي تميزه بشهادة جميع الفاعلين.
أجهشوا عليه بقراراتهم الاستعجالية، وسياساتهم المتلعثمة الغير مدروسة، حتى أتووا على آخره، سنوا قوانين لا تسمن ولا تغني من جوع، اهتموا بالشكليات وابتعدوا كل البعد عن الجوهر.
تركوا الأستاذ والتلميذ في حلبة صراع يومي، ينتظرون فرصتهم للتدخل مبرزين شططهم السلطوي، طمعا في إرضاء أو استمالة الرأي العام، وفق ما تجود عليه كل مرحلة.
فالحالة التي أمامنا أصبحت مستنسخة، أخرجت الأستاذ عن عقله وطبيعته بسبب سلوك لا تربوي ولا أخلاقي، فميوعتها وسوء تربيتها بشهادة زملائها جعلت تصرفها اتجاه مربيها مستفزة، سببت في ضياع إطار من الإطارات التي أصبحت مغلوبة عن أمرها، والثابت أن هذه الاخيرة هي شخصية تميل للشغب ومستفزة لأبعد الحدود، سبق واتخذت في حقها عقوبات تأديبية، كالتوقيف لمدة خمسة عشر يوما، ومع ذلك لم يأخذها المسؤولون بعين الاعتبار حتى تمنح لها تلك الهالة من العناية الفائقة.
أنا لست مع العنف بكل أشكاله، أنا مع إصلاح التعليم إصلاحا شاملا، أنا مع التأهيل وتوفير الوسائل الكفيلة للنهوض بهذا القطاع لأنه العمود الفقري لأي نموذج تنموي.
لنكون منصفين لا بالنسبة للأستاذ ولا للتلميذ:
أين نحن من توفير وسائل ترفيهية للتلميذ؟
أين نحن من الأنشطة الموازية لمن لديه مهارات؟
أين نحن من مواكبة المتخصصين في علم الاجتماع داخل فضاء المؤسسة التعليمية لعلاج الحالات الشاذة، كما هو شأن الحالة التي نحن بصددها ؟
معلوم أن الأسرة المغربية تعيش تناقضات صارخة ومرد ذلك لضغوطات الحياة ومشاكلها والتي تنعكس سلبا على الطفل، ومعلوم أن الجهل والأمية لا يزالا يحتكران أغلبية البيوت مما يكون له وقع على تربية وسلوك اطفالنا، وبالتالي لا يجد الطفل أمامه سوى المدرسة أو الشارع لإفراز ساديته موازاة مع حرمان المدرس من بعض الوسائل التأديبية والتي كانت تؤتي أكلها في الغالب .
وختاما
إن ما نعيشه اليوم من تفاوت صارخ، من شأنه أن يهدد الاستقرار الذي ينعم به البلد تحت القيادة الرشيدة، من خلال التراجع الملفت لمنظومة القيم بشكل عام،
إذ تعد المدرسة الفضاء الأنسب لغرسها وتمثلها، حتى تصبح المدرسة رائدة للمجتمع، في كل المجالات، مادون ذلك تبقى مظاهر الاحتقان والعنف المتبادل هي السائدة، فأمة بدون أخلاق ومعرفة، لا يمكن أن تتقدم، إن لم تكن عرقلة في وجه كل مشروع تنموي، وقنابل موقوتة لاقدر الله.
تكتبها : سعاد الشرقاوي