إصنع ما شئت

بقلم : ذ.عبد الله مشنون
اللهم ربنا لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، دعاء نبوي كثيرا ما كنا نسمعه من افواه من صارت مقاليد الأمور بين أيديهم واقسموا بالله جهد ايمانهم على الوفاء والإخلاص والتجرد ، ولكنهم نكثوا بعد ذلك تلك الايمان وصارت الدنيا أكبر همهم وغاية جهدهم وراكموا الأموال والمعاشات والاسفار والفيلات والسيارات الفارهة. وقد يكون التوسع في المسكن والمركب أمر مشروع ومحبب للإنسان ، ولكن بالنسبة للذين امتطوا صهوة الدين وعاهدوا الله وناخبيهم واصروا إصرارا الا مطمع لهم الا التطوع المجاني لخدمة المواطن وتجويد القطاعات الخدماتية الحساسة وضمان الصحة للجميع و التعليم المجاني عالي المستوى وتحسين قطاع العدل وبث الامن ومكافحة الجريمة والمخدرات ، ولكن بدلا من ذلك استغلوا مناصبهم في تحصيل المنافع ومراكمة الأموال وتوظيف الأبناء و الأقارب و الاصهار وقضاء العطل في المنتجعات الأوربية وعواصم الموضة بأموال الشعب وعرق ابناءه وآلام المعطلين وآهات الارامل والثكالى واحلام البسطاء. (فلا ايمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له) كما أخبر بذلك الني صلى الله عليه وسلم، وكما كانوا يرددون مع صفوف المعارضة وهم قلة في البرلمان وغيره ، فما قيمتك يا من تدعي التزامك بالدين وتقول انه يقوم على الصدق والوفاء بالوعود ، ثم بعد ذلك تكذب في حديثك وتخون امانتك وتدعي ما ليس لك وتتبرأ مما عملت يداك. ألست تستحي وانت ترى ثمار تدبيرك السيئ نساء تلدن على الارصفة وفي ممرات المستشفيات دونما احترام لآدميتهن ومواعيد طبية تجاوز السنة لإجراء تحليل او اشعة بدونها قد يفقد المريض حياته في غضون أيام ، فالألم لا ينتظر والامراض التي تنخر اجسام المواطنين لن تتوقف لأجل إجراء طبي بسيط موعده بعد عام او يزيد. ألست تستحي وانت ترى سياساتك التعليمية الفاشلة والتي انتجت اجيالا من ذوي التعليم المحدود ، وضحايا المناهج الدراسية التي لا تساير العصر ولم تستفد من الطفرة العلمية التي تعرفها الدول المتقدمة ، ولعل ترتيب الجامعات في العالم (500 جامعة) والذي يغيب عنه المغرب ، ليبين مدى التخلف الذي لحق هذا القطاع. ألست تستحي وانت ترى أفواج الشباب العاطل وهم يلقون بأنفسهم بين براثن عصابات الهجرة بحثا عن الحياة الكريمة في الضفة الأخرى ، وقد ينتهي المطاف ببعضهم الى الموت غرقا مع ما يخلفه ذلك من الدمار والشتات والتعاسة داخل تلك الاسرة المعدمة ، في ذات الوقت الذي تجد فيه انت الوقت لإجراء حصص “التدليك” على حساب المال العام في الخارج. ألست تستحي حينما تكون في فيلتك الفاخرة الدافئة المحاطة بالحرس والآمنة من كل خوف وانت ترى أناسا يلتحفون السماء في ايم البرد والثلج ويموتون قهرا وجوعا ومنهم من يدفع دفعا لستر ما تبقى من شتاته الى الارتماء في اتون القروض البنكية ، طمعا في سكن يقضي بقية حياته في تسديد ضعف قيمته مع ما يتبع ذلك من ضيق وضنك واكتفاء بأقل الأساسيات وما يلازم تلك الشقق من غش في البناء وغياب المرافق الضرورية ووسائل المواصلات والامن. ألست تستحي وانت ترى ما عليه حالة الشباب من بؤس واستسلام للمخدرات وحبوب الهلوسة واختصار آمالهم في الحصول على تذكرة للدخول الى مباراة في كرة القدم والانقياد الى التنفيس عن آلامه عبر شغب لا يعرف نفسه مبرره ، حتى يجد نفسه في غياهب السجن او مرميا مدرجا في دماءه ولا من يسأل عنه. لقد قال الصادق المصدوق عليه السلام (ان من بين ما أدركه الناس من كلام النبوءة الأولى اذا لم تستحي فاصنع ما شئت) وقد صنعت ما شئت في هذا الشعب فبأي وجه ستدق بابه غدا وتدعوه للتصويت عليك ، واي برنامج ستلتزم به وتضع يدك على المصحف وتقسم انك ستنفذه ضدا على “التماسيح والعفاريت” الذين تبين وجودهم الا في الخيال . ان الذين سبقوك الى المنصب والمسؤولية وان قصروا بشكل او بآخر مجتهدين او مهملين ، فعلى الأقل فأنهم لم يستعملوا الدين لاستقطاب الأصوات الانتخابية ولم يحلقوا لحاهم بعد فوزهم بالمقاعد الوزارية ولا نزعت نسائهم حجابهن في عواصم الانوار ، ثم رقصن منتشيات على مآسي الشعب المسكين. اما عن ملفات مغاربة العالم العالقة في رفوف مكاتب المسؤولين ، فقد كبروا عليها أربع تكبيرات وسلموا تسليما .