أزمة المدافن والمقابر بإيطاليا في زمن كورونا


يكتبها : حسن شاكر
و نحن نشاهد طابور شاحنات عسكرية إيطالية تنقل ثوابيت موتى ضحايا فيروس كورونا من مكان إقامتها بمدينة بيرغامو الى مدن أخرى بايطاليا… نقف عند حقائق مؤلمة في زمن كورونا ..حيث لا يمكن للأهل توديع موتاهم و لا يمكن تشييعهم و لا يمكنك السلام عليهم حتى وقت احتضارهم… كورونا فرضت قواعــد جديــدة حتى بعد موت ضحاياه و جعلت المقابر تضييق بجثث الموتى ٬ كما ضاقت بهم ثلاجات المستشفيات ٬ فـبِثْـنـا نسمع عن اقتناء بلديات في أوروبا أو أمريكا ( نيويورك مثلا ) لثلاجات كبيرة متنقلة لتوضع فيها جثث ضحايا حرب كورونا لتنتظر دورها في الدفن أو الحرق… وباتت مسألة تدبير الدفن و المقابر من الإشكاليات القوية… نظرا لارتباطها بالهوية الثقافية و الهوية الدينية للموتى في المجتمعات الغربية المتعددة الديانات… في إيطاليا لم تعرف مسالة الدفن ضغطا كبيرا ٬ لأن اغلب مغاربة إيطاليا يحبدون الدفن بالمغرب…لكن فيروس كورونا غَـيَـر من ترتيب المعادلات في ظل إقفال الحدود و تطبيق الحجر الصحي ٬ و في ظل الاكتظاظ الكبير الذي تعرفه أماكن الدفن بإيطاليا …وهو ما جعل بعض ” تجار المآسي ” يُـضاربون في موضوع لـه قــدسية كبيرة عند مغاربة إيطاليا و جميع مغاربة العالم… هذا مع التذكير ان المغرب اتخذ بدوره تدبيرا وقائيا آخــر ٬ و هو إقفــال كل الحدود الجوية و البرية…فكيف السبيل إذن الى تطبيق ان إكـرام الـميت دفـنه…في ظروف استثنائية و طوارئ الحجر الصحي في اغلب دول العالم…؟ أولا ٬ يجب التذكير ان مسألـة تدبير مرفق المقابر تعود للبلديات و بالتالي فكل البلديات الإيطالية تخصص أماكن لدفن المسلمين منفصلة عن غيرهم من الكاثوليك و اليهود…كما تعْهَـدُ الى تفعيلها شرطة خاصة منذ سنة 1990 أي la polizia mortuaria ..تتكلف بجميع الترتيبات الإدارية للنقل و كذا رخص الدفن مع تبيان أسباب الوفاة و غير ذلك… ثانيا ٬ ان مسألة دفن اموات المسلمين بايطاليا هي إشكالية كبيرة لها علاقة بالهوية الدينية و بالتالي فيجب البحث أولا في الإطار القانوني لحق دفن موتى الغير الكاثوليك بايطاليا ٬ وهو موضوع كبير جدا و شائك رغم ان الدستور الإيطالي سمح و حمى حرية المعتقد في الفصل الثامن منه…وهو ما جعل منظمات المجتمع المدني من المسلمين بايطاليا الى تتقــدم باقتراحات في هذا الخصوص ونذكر منها مسودة ” لُـوكُـويْ ” سنة 1992 ..ثم تقدم المركز الثقافي الإسلامي برسالة رسمية للدولة الإيطالية لنفس الغرض سنة 1993..ثم تكرر الأمر مع كل من جمعية المسلمين الإيطاليين سنة 1994 و جمعية التعريف بالإسلام بايطاليا سنة 1996… كان المشكل دائما هو ٫ مَـنِ المخاطب الحقيقي مع السلطات الإيطالية لتوقيع اتفاق بالموضوع…؟ كما فعلت قبل ذلك مثلا مع الجالية اليهودية بايطاليا…بحيث ان استحالة توقيع اتفاقية في موضوع الدفن كان نتيجة عدم وجود إطار يجمع كل الحساسيات المسلمة بايطاليا ومن كل الدول الأصلية لمسلمي إيطاليا و أيضا كفيات تحضير الموتى مع احترام المرجعية الثقافية و الدينية للومتى المسلمين بايطاليا …. وهو موضوع عرف الكثير من الكتابات تآثرت بخلفيات كُـتابها و مُـؤلفيها الايدولوجية و الحساسيات السياسية و الدينية…وهو ما يمكننا الرجوع اليه في مناسبة قادمة… لكن الإشكالية تم التوافق بشأنها بشكل ” ضمني ” من خلال لجوء المستشفيات و المقابر بايطاليا الى الجمعيات الدينية و أئمة المساجد من اجل تحضير الموتى حسب الشريعة الإسلامية لكل الراغبين او المضطرين للدفن بايطاليا… لهذا لم يكن لكل تلك الضجة بخصوص دفن المغاربة ضحايا كورونا بايطاليا أي سبب مقنع مادامت إيطاليا و العالم يعيشون في ظروف استثنائية بفعل فيروس كورونا ٬ كما ان الإيطاليين أنفسهم يعيشون نفس الأزمة أي ازمة مدافن و مقابر بعيدا عن كل زاوية نقاش عقائدي.. لكن حسنا فعلت بعض الفعاليات المغربية الجادة بإثارة الـنقاش حول مصاريف الدفن و احترام الشريعة الإسلامية ومن يتكلف بها و وفضح بعض السماسرة… خاصة وان مصاريف الدفن مرتفعة في ظل أزمة مالية خانقة بفعل تداعيات الأزمة الاقتصادية أولا و أزمة كورونا ثانيا… وهو ما جعل القنصلية المغربية العامة بميلانو توضح من خلال بيان اخباري ٬ أن جميع طلبات التكفل للأسر المعوزة من اجل تحمل مصاريف الدفن تم التفاعل معها إيجابيًا من طرف المسؤولين بالرباط…كما نهمس لقنصلية ميلانو ان كل الدول تعلن عدد وفياتها يوميا٫ فلماذا خلى البيان الإخباري للقنصلية من ذكــر عدد الضحايا المغاربة فيروس كورونا..؟ أم يعتبر هذا من اسرار القنصلية…؟ الا اننا نود إثــارة مسألة أخرى ٬ وهي غياب الابنـاك و مـؤسسات تـأمين دفــن مغاربة العالـم و عـدم تـدخلها في أداء مصاريف الدفـن بايطاليا او تقديم وعد لكل المُؤَمَنِين لديها بإمكانية إعادة دفنهم بالمغرب بعد مرور جائحة كورونا و على حساب مؤسسات التأمين نفسها…او تقديم أي نوع من الدعم و التعويض لاهالي و أسـر مـوتى الـمؤمنين لـديها كما تفعل أغلـب مؤسسات الـتأمين العالمية… من المؤكـد ان أزمة كــورونا ستفتح من جـديد نـقاش مقابر المسلمين بايطاليا وهو نقاش سيتأثـر بدون شك من خلفيات سياسية و أيديولوجية …وهي فرصة لــدعوة كل جمعيات الشأن الديني المغربية بايطاليا الى الوحدة و التضامن و تهميش الخلافات جانبـا و البدئ فــورا بتجهيز مقترحات موضوعية مبينة على أسس قانونية و دستورية و من التجارب الدولية…. .