باستثناء ما يباع من صحف للإدارة والمؤسسات فنسبة قليلة من القراء باتت تقتني هذه الورقيات إلى جانب بعض المقاهي التي تجد بها جريدة واحدة يحتكرها العديد من الزبائن وتتناقلها الأيدي ما يؤكد أن دور الصحافة المكتوبة أصبح مهددا بالإنقراض ولولا الإعلانات الإدارية والإشهار والدعم المالي السنوي ،لأغلقت المنشآت الصحفية أبوابها وانتهى القطاع المكتوب .
حسب التجارب الميدانية وجولتنا بين العديد من الصحف ومنذ زمن طويل ، عشنا مع أقلام دأبت على العمل الجاد وكتابة مقالات وتقارير وحوارات إخلاصا للأجناس الصحفية واستفدنا من عملها الجبار من أجل بلورة الميدان وجعل الصحافة المغربية ترقى إلى مصاف الدول العظمى ، في الجانب الآخر كانت صحافة المحسوبية اللفيف المقرون لصحافة المحزوبية هي التي تسيطر على الصحافة المكتوبة لكونها تابعة وناطقة بلسان أحزابها وكانت تخدم أنشطة المكاتب السياسية وأجهزة وهياكل احزابها وكانت المستفيد الأول في متابعة أنشطة وزرائها داخل الحكومة فاستقوى بعض الصحفيين بعلاقتهم مع المسؤولين والإدارة والبرلمان فسخروا مدادهم لإشهار أسمائهم وتلميعها مجتمعيا خاصة عند كل انتخابات واستحقاقات من أجل تقديمهم للناخبين على أحسن وجه .
فقبل الصحافة الإلكترونية وانتشارها فقد القارئ ثقته في الصحف التي ليس لها خط تحريري غير ما يمليه المكتب السياسي على رئاسة التحرير – مقص الرقيب – حيث تعطى الأوامر لكتابة المقالات حسب الطلب وهذا النوع كان منتشرا داخل منابر الأغلبية البرلمانية وتحظى بثقة الحكومة ، أما صحف المعارضة فكانت قليلة لكنها تمارس الصحافة بكل جدية ومهنية تضمنت رجالات خدومة على وعي بما يجري ويدور وتختار المواضيع الهامة التي تخدم الواقع من أجل التوعية والثقافة والتصحيح ورؤية التغيير علما أن الصحافة الحزبية كان لها حظ الأسد في الدعم المالي والبطاقة المهنية للصحافيين والإعلانات الإدارية والإشهار ، أما الصحافة المستقلة فقد قادها جيل من الصحفيين أصحاب تجارب مهنية داخل المنشآت الحزبية بعد تقديم استقالاتهم ، لكن أخذوا على عاتقهم المسار الجديد من أجل صحافة جادة تخدم المواطن وتكون عينه في الواقع المعيش ومتابعة أشغال الحكومة والبرلمان .
اليوم لا يمكن أن نقلص أو نقزم من دور الصحافة الإلكترونية في المغرب ، وأن نجعلها مواقع على الأنترنيت فقط دون إعطائها ما تستحق من تسمية مقرونة بالصحافة خاصة أنها البديل المرتبط بالثورة الرقمية والعالم الجديد يتطلب هذا النوع من الإعلام بجميع مكوناته متضمنا كل الأجناس الصحفية أو جزءا منها حسب الأهمية وتخصص المنشأة .
فمن حق الصحافة الإلكترونية أن تبرز دورها من خلال موقعها على الأنترنيت وأن تبدع وأن تتخصص وأن تواكب الصحافة الدولية التي خرجت عن المألوف وأبدعت في طرق جديدة تساير ما يرغبه الجمهور دون الزيغ عن دورها المهني .
الصحافة في عالم اليوم لجأت للصحافة الإلكترونية ، في أفق التخلص من الصحافة الورقية وانتصرت كثير من الصحف الكبرى في هذا الإختيار وجعلت من صحافتها جزء من فضاءات التواصل الإجتماعي حيث أصبح الخبر في حينه وتقديمه في وقته ومتابعته كرنولوجيا ومنتشرا دوليا وبكل لغات العالم .
لقد اختار الصحفي أن يقدم استقالته من الصحافة الورقية ليؤسس مقاولته الصحفية الإلكترونية بعيدا عن الإملاء الحزبي ورهانه على الراتب الشهري كمشنقة توجهه حسب هوى المكاتب السياسية فإذا كان الحزب السياسي مكونا للحكومة فما على الصحفي إلا أن يتبنى قولة ” نعم ” وأن يجعل من قلمه فرشاة لتبييض واجهة الحكومة وأن يدعم كل أنشطتها وإلا كان الصحفي خارج إدرة الجريدة معانقا العطالة وباحثا عن شغل في مؤسسة أخرى وإذا تحول الحزب إلى معارض فما على الصحفي إلا أن يتبنى كلمة ” لا ” من جديد ويستخدم أدوات المعارضة ، وهذا واقع ولدينا ما نشهد به في هذا الإطار .
إذن الصحافة الإلكترونية تحول إيجابي يساير الجيل الجديد والثورة الرقمية وتجاوز المرحلة التقليدية لكن يبقى الصحافي هو الصحافي نفسه وإنجازاته تنشر على الورقية في إطار قراءة محدودة لكن عبر الرقمية لا يموت المقال بل يبقى منشورا مادام الموقع الإلكتروني يشتغل ، إلى جانب تجد قراءات ومشاهدة كثيفة وتعليقات وآراء حول المنشور
الصحافة الإلكترونية ليست تلك المواقع التي تشتغل على تتبع عورات المواطنين ونشر البغضاء والتشهير وفضح ما بداخل البيوت تحت شعار( مصائب قوم عند قوم فوائد ) وهذا ما تنتجه صحافة الذل والعار التي يبقى هدفها ترويج حساباتها البنكية على ظهر المواطن بعيدا عن أخلاقيات المهنة ومع الأسف الشديد أصبح جمهور التفاهة أكثر من جمهور الملاعب الرياضية في حين جمهور الوعي والثقافة محسوب على اصابع اليد .