أبدأ مقالتي من واقع عشته ساعة وفاة الملك الحسن الثاني رحمه الله , وكنتُ من بين الزملاء الذين حضروا معتمَدين لتغطية مراسيم الجنازة , وأنا في طريقي إلى القصر الملكي كانت جنبات الشوارع ممتلئة بالمواطنين نساء ورجال وشباب وصغار ورضع , ملامح الحزن , دموع وبكاء مشهد من الحزن يكتسي فضاء العاصمة الإدارية , حالة من الأسى يفرضها الرحيل إنه ملك البلاد .
ورقتي هاته لن أكتب لكم فيها عن رؤساء وزعماء العالم الذين حضروا لتشييع جثمان الملك , بل أخصص بالدرجة الأولى موضوعا عن الشعب الوفي ومصداقية حبه للأسرة الملكية وفاء حتى الموت .
معانات بالجملة عاشها الشعب المغربي إبان عهد الحسن الثاني , مغرب منسي وعائلات تعيش الإغتناء الفاحش , وقمع الحريات كان سائدا على الجميع (…) عصا الطاعة كانت بيد وزارة الداخلية أم الوزارات تحت قيادة الراحل إدريس البصري الرجل الذي خدم النظام الملكي بكل ثقة وأصبح الرجل الثاني بعد ملك البلاد وزارة مفوضة بما تليق من واجب الإحترام والطاعة .
لم تكن خطابات الملك الحسن الثاني تخلو من كلمة ” شعبي الوفي ” ولو في أحلك الظروف والأحداث , لأن قناعة الملك الراحل بأن شعبه وفي ومخلص وما يصله من تقارير 75% منها مفبرك ضد المواطنين ومع ذلك كان الإصرار على مواصلة السياسة التي يتبناها القصر بمعية وزارة الداخلية ومهندسيها وعلى رأسهم إبن الشاوية .
فقد عاش الشعب الوفي الحياة الضنكا إجتماعيا وحقوقيا , بطالة وعطالة وفقر وتهميش , وإهانة لكرامة الفرد وسلطة متجبرة وقانون لايطبق إلا على الفقير وحقوق سياسية مهضومة لا يمكن للمواطن مزاولة الحق السياسي إلا داخل الأحزاب لأن المنع كان يطال كل من يعتنق السياسة خارج المؤسسات ( المحكومة ) , شعب وفي ينصت ويلبي النداء.
ورغم المرارة والقهر كان يخرج يصفق ويستقبل كل الزيارات الملكية بالزغاريد وتقبيل اليد والإنحناء , مشاهد عشعشت في مخيلتنا إلى اليوم نراها كلوحة تشكيلية معلقة على جدران بيوتنا أملا في غد مشرق ينصف فيه الشعب الوفي من سياسة ظالمة قاهرة مستقوية ومتحكمة , إلى أن طال الإنتظار ومع كل فجر جديد يترقب المواطن الرفاهية والإزدهار والرخاء .
مع كل هذه الأزمات والقضايا العالقة ومع التنكيل بهم في كل أيام الله , لم يطالب الشعب الوفي بإسقاط النظام , بل طالب بإسقاط الفساد ومحاكمة المفسدين ورغم الوعود التي كان يعلمها المواطن الوفي بأنها وعود لتهدئة الأوضاع كان الشعب صبورا وصابرا يحلم بالتغيير والتصحيح وركوب قطار التنمية .
مات الملك , فأول من خرج لتوديعه الشعب الوفي , خرجوا حفاة يبكون ملكهم يرافقونه إلى متواه الأخير , حشود من كل فج عميق من كل المدن المغربية فحين اختفى رجال الأعمال وعاش الوزراء مرحلة عصيبة من التوتر والإستفهام وغادر البعض البلاد خوفا من السؤال ومن قام بتحويل أرصدته المالية للخارج وكثير من الأمور .
أليس هذا كافيا بأن كثير من كتبة التقارير كانت مغلوطة , أليس من حق الشعب الوفي أن ينعم بدوره بالتعليم والرخاء والسكن والتطبيب , أليس من حق المواطن الوفي أن يعيش رافعا رأسه ترافقه العدالة الإجتماعية وأن ينال ما يستحقه دون تمييز ودون محسوبية وزبونية , أليس من حق الشعب الوفي أن يساهم بجودة أفكاره في التنمية الإقتصادية والإجتماعية والحقوقية ؟
إتقوا الله في شعب وفي .
فاصل ونواصل مقالتنا في العهد الجديد .
حسن أبوعقيل